الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                810 [ ص: 22 ] ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: نا عبد الله بن داود الخريبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : "أن عبد الله بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- رأى رجلا نزل من السماء عليه ثوبان أخضران - أو بردان أخضران - فقام على جذم حائط، فنادى: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... " - فذكر الأذان على ما في حديث أبي محذورة ، غير أنه لم يذكر الترجيع، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال له: "نعم ما رأيت، علمها بلالا " .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه من ترك الترجيع ، بحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنه-.

                                                ورجاله رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق ، ولكن الحديث مرسل؛ لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد الأنصاري قاله الترمذي وغيره.

                                                والخريبي - بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وسكون الياء آخر الحروف بعدها باء موحدة -: نسبة إلى الخريبة محلة بالبصرة ، كان عبد الله بن داود يسكن فيها، وهو أحد الأئمة الحنفية ، وكان ثقة عابدا ناسكا، روى له الجماعة.

                                                والأعمش هو سليمان بن مهران .

                                                وأخرجه أبو داود بأتم منه، نا عمرو بن مرزوق ، أنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال: سمعت ابن أبي ليلى .

                                                ونا ابن المثنى ، نا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى قال: "أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال: قال: ونا أصحابنا، أن رسول الله -عليه السلام- قال: لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين أو المؤمنين واحدة، حتى لقد هممت أن أبث رجالا في الدور ينادون الناس بحين الصلاة وحتى هممت أن آمر رجالا يقومون على الآطام ينادون المسلمين بحين الصلاة، حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا، قال: فجاء رجال من الأنصار ، فقال: يا رسول الله، إني لما رجعت - لما [ ص: 23 ] رأيت من اهتمامك - رأيت رجلا" كأن عليه ثوبين أخضرين، فقام على المسجد فأذن، ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة، ولولا أن يقول الناس - قال ابن المثنى أن تقولوا - لقلت: إني كنت يقظانا غير نائم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - وقال ابن المثنى -: لقد أراك الله خيرا - ولم يقل عمرو : لقد - فمر بلالا فليؤذن ، قال: فقال عمر -رضي الله عنه-: أما إني قد رأيت مثل الذي رأى، ولكني لما سبقت استحسنت الحديث" .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير" نا عيسى بن محمد السمسار الواسطي ، نا وهب بن بقية ، نا خالد ، عن ابن أبي ليلى ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- قال: "اهتم رسول الله -عليه السلام- بالأذان حتى هم أن ينقس، فبينما هو كذلك إذ جاءه عبد الله بن زيد ، قال: يا رسول الله، لولا أني أتهم نفسي لحدثتك أني كنت مستيقظا رأيت رجلا عليه ثوبان أخضران، قائم على سقف المسجد، ثم نادى بالصلاة: الله أكبر الله أكبر، مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم قعد قعدة، ثم قال مثل ما قال، غير أنه قال في آخر ذلك: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقال: قم فادع إليك بلالا فليرفع بها صوته، فألقاها عليه، ثم رفع بها بلال صوته، فجاء المسلمون سراعا لا يرون إلا أنه فزعا، ثم جاء عمر -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله، والله لولا أن عبد الله بن زيد سبقني لحدثتك أنه طاف بي ما طاف به" .

                                                قوله: "بردان" تثنية برد، وهو نوع من الثياب معروف، والجمع أبراد وبرود، والبردة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صغر تلبسه الأعراب، وجمعها برد.

                                                قوله: "جذم حائط" بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة، وهو أصل الحائط، وأراد به بقية حائط أو قطعة حائط.

                                                [ ص: 24 ] قوله: "لقد هممت" من هممت بالشيء أهمه هما إذا أردته.

                                                ومعنى "أبث" أفرق، من البث، وهو النشر.

                                                قوله: "في الدور " أي في القبائل.

                                                قوله: "بحين الصلاة " أي بوقتها.

                                                قوله: "على الآطام" جمع أطم - بضم الهمزة والطاء -: وهو بناء مرتفع، وآطام المدينة : أبنيتها المرتفعة، وفي الصحاح: الأطم مثل الأجم يخفف ويثقل، والجمع آطام، وهي حصون لأهل المدينة ، والواحدة: أطمة، مثل: أكمة. انتهى.

                                                ويقال: الآطام جمع إطام - بكسر الهمزة -: وهو ما ارتفع من البناء.

                                                قوله: "حتى نقسوا" - بفتح القاف - من النقس: وهو الضرب بالناقوس، وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، والنصارى يعلمون بها أوقات صلواتهم.

                                                وقال ابن الأعرابي : الناقوس ينظر فيه، أعربي أم لا؟

                                                قلت: النقس هو الضرب بالناقوس يدل على أنه عربي، وزنه فاعول كقابوس البحر، فيكون الألف والواو فيه زائدين.

                                                قوله: "أو كادوا أن ينقسوا" بضم القاف لأنه من نقس ينقس، من باب نصر ينصر.

                                                وهو شك من الراوي، والمعنى: أو قربوا من نقس الناقوس؛ لأن "كاد" من أفعال المقاربة.

                                                قوله: "كان عليه ثوبين أخضرين" وقع كذا في رواية أبي داود ، ووقع في رواية غيره: "كان عليه ثوبان أخضران" وهو القياس؛ لأن ثوبان فاعل "كان" وهو اسمه، فيكون مرفوعا وخبره قوله: "عليه" ووجه رواية أبي داود - إن صحت -: أن تكون "كان" زائدة، وهي التي لا تخل بالمعنى الأصلي، ولا تعمل في شيء أصلا، ويكون نصب "ثوبين" بالفعل المقدر، والتقدير: رأيت رجلا، ورأيت عليه ثوبين أخضرين، فقوله: "رأيت" يكون دالا على "رأيت" الثاني المقدر.

                                                [ ص: 25 ] قوله: "ثم قعد قعدة" بفتح القاف.

                                                قوله: "أما إني" ، بفتح الهمزة في "أما" وكسرها في "إني".

                                                قوله: "لما سبقت" على صيغة المجهول، فافهم.




                                                الخدمات العلمية