الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                978 ص: وقالوا أما ما رويتموه عن النبي -عليه السلام- من جمعه بين الصلاتين فقد روي عنه كما ذكرتم وليس في ذلك دليل أنه جمع بينهما في وقت إحداهما، فقد يحتمل أن يكون جمعه بينهما كان كما ذكرتم، ويحتمل أن يكون صلى كل واحدة منهما في وقتها كما ظن جابر بن زيد ، وقد روي ذلك عن ابن عباس وعمرو بن دينار من بعده.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عما احتجت به أهل المقالة الأولى من الآثار التي فيها الجمع بين الصلاتين ، تحريره: أن أهل المقالة الثانية قالوا: أما ما رويتموه عن النبي -عليه السلام- من جمعه بين الصلاتين فإنا نسلم أنه روي عنه -عليه السلام- كما ذكرتم، ولكن ليس فيها دليل قاطع على أنه جمع بينهما في وقت واحدة منهما؛ لأنه يحتمل أن يكون جمعه بينهما كما ذكرتم، ويحتمل أن يكون أخر الأولى إلى آخر وقتها، وقدم الأخرى في أول وقتها، فيكون الجمع بينهما فعلا لا وقتا، ويرجح الاحتمال الثاني ظن جابر بن زيد الأزدي أبي الشعثاء حيث ذكره في حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم والطحاوي أيضا: "قلت لأبي الشعثاء : أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظن ذلك " وكل واحد من جابر بن زيد وعمرو بن دينار قد سبق ظنه إلى ما ذكرنا؛ لأن القائل في هذا الحديث لأبي الشعثاء هو عمرو بن دينار كما مضى بيانه فيما قبل، وإليه أشار الطحاوي بقوله: "وقد روي ذلك عن ابن عباس وعمرو بن دينار من بعده". أي: وقد روى عمرو بن دينار من بعد جابر بن زيد مثلما روى جابر بالظن المذكور.

                                                وقد روى النسائي : عن قتيبة ، قال: ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال: "صليت مع النبي -عليه السلام- بالمدينة ثمانيا جميعا [ ص: 256 ] وسبعا جميعا؛ أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء" . فهذا ابن عباس صرح بما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه من أن المراد من جمعه -عليه السلام- بين الصلاتين: أنه أخر الأولى وقدم الثانية، وهذا مما يؤيد ويرجح الاحتمال الثاني الذي ذكرناه؛ فحينئذ لم تبق لهم حجة في الآثار المذكورة إلا إذا التزموا بمثل ما التزمنا.

                                                وأما الذي رواه أبو داود أنه جمع بينهما بعد غياب الشمس، والذي رواه البيهقي أنه أخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوي من الليل، ونحو ذلك فقد مر الجواب عن ذلك مستقصى عن قريب.




                                                الخدمات العلمية