الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1163 ص: أبو جعفر : فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: الرفع في التكبير في افتتاح الصلاة يبلغ به المنكبان ولا يجاوزان ، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، فكان ما في حديث أبي هريرة عندنا غير مخالف لهذا؛ لأنه إنما ذكر فيه أن رسول الله -عليه السلام- كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا، فليس في ذلك ذكر المنتهى بذلك المد إليه أي موضع هو؟ قد يجوز أن يكون يبلغ به حذاء المنكبين، وقد يحتمل أيضا أن يكون ذلك الرفع قبل الصلاة للدعاء، ثم يكبر للصلاة بعد ذلك ويرفع يديه حذاء منكبيه، فيكون حديث أبي هريرة على رفع عند القيام للصلاة للدعاء، وحديث علي وابن عمر على الرفع بعد ذلك عند افتتاح الصلاة؛ حتى لا تتضاد هذه الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء من ذكرناهم عند قوله: "وخالفهم في ذلك آخرون".

                                                فإن قلت: أليس هذا بتكرار؟

                                                قلت: لا؛ لأن المذكور عند قوله: "وخالفهم في ذلك آخرون" هو قوله: "ينبغي له أن يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه" وسكت عن المجاوزة عن المنكبين وبين ها هنا أن مذهب هؤلاء هو الاقتصار على محاذاة المنكبين، ولا يجاوزان عليهما ، والمجاوزة عنهما هو مذهب مخالفيهم على ما يجيء.

                                                قوله: (يبلغ) على صيغة المجهول، و: "المنكبان "مفعوله ناب عن الفاعل.

                                                وكذا قوله: (ولا يجاوزان) على صيغة المجهول، وفي بعض النسخ "يبلغ به المنكبين" فيبلغ على صيغة المعلوم، وفاعله "المصلي" والمنكبين مفعوله.

                                                قوله: (فكان ما في حديث أبي هريرة ...) إلى آخره إشارة إلى وجه التوفيق بين [ ص: 510 ] حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المذكور في أول الباب الذي احتجت به طائفة فقالوا: ينبغي للمصلي أن يرفع يديه مدا ولم يعينوا فيه شيئا، وبين حديثي علي وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- الذين احتج بهما طائفة، فقالوا: يرفع يديه إلى منكبيه ولا يجاوزهما عنهما، فكل من الطائفتين عمل بحديث وترك حديثا، وأشار الطحاوي إلى أن العمل بالحديثين أولى من العمل بأحدهما وإهمال الآخر، وذلك بالتوفيق بينهما، ووجهه أن يقال: إن في حديث أبي هريرة لم يبين موضع المد، فيجوز أن يكون المراد به أن يبلغ إلى المنكبين، فيكون أحد الحديثين كالتفسير للآخر ولا يكون بينهما تضاد، أو يحمل كل منهما على معنى، وهو أن حديث أبي هريرة يحمل على رفع يد عند القيام إلى الصلاة لأجل الدعاء وهو معنى قوله: "على رفع عند القيام للصلاة للدعاء" فاللام في الصلاة تتعلق بالقيام، واللام في الدعاء تتعلق برفع، وحديث علي وابن عمر يحمل على رفع يديه مرة أخرى للشروع في الصلاة، فيكون معنى كل من الحديثين في محل غير محل الآخر، فلا يقع بينهما تضاد، لاختلاف المحلين. فافهم.




                                                الخدمات العلمية