مسألة يجوز عند الأكثرين وجزم به في المحصول " وقال خلو العصر عن المجتهد الرافعي : الخلق كالمتفقين على أنه لا مجتهد اليوم ولعله أخذه من الإمام الرازي ، أو من قول الغزالي في الوسيط " : قد خلا العصر عن المجتهد المستقل ونقل الاتفاق فيه عجيب ، والمسألة خلافية بيننا وبين الحنابلة ، وساعدهم بعض أئمتنا ، والحق أن الفقيه الفطن القياس كالمجتهد في حق العامي ، لا الناقل فقط وقالت الحنابلة : لا يجوز خلو العصر عن مجتهد ، وبه جزم الأستاذ أبو إسحاق والزبيري في المسكت " فقال الأستاذ : وتحت قول الفقهاء : لا يخلي الله زمانا من قائم بالحجة ، أمر عظيم ، وكأن الله تعالى ألهمهم ذلك ومعناه أن الله تعالى لو خلى زمانا من قائم بحجة زال التكليف ، إذ التكليف لا يثبت إلا بالحجة الظاهرة وإذا زال التكليف بطلت الشريعة وقال الزبيري : لن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة في كل وقت ودهر وزمان ، ولكن ذلك قليل في كثير ، فأما أن يكون غير موجود - كما قال الخصم - فليس بصواب ، لأنه لو عدم الفقهاء لم تقم الفرائض كلها ، ولو عطلت الفرائض كلها لحلت النقمة بذلك في الخلق ، كما جاء في الخبر : { } ونحن نعوذ بالله أن نؤخر مع الأشرار . انتهى . لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس
[ ص: 241 ] وقال ابن دقيق العيد : هذا هو المختار عندنا ، لكن إلى الحد الذي ينتقض به القواعد بسبب زوال الدنيا في آخر الزمان وقال في شرح خطبة الإلمام " : والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة ، والأمة الشريفة لا بد لها من سالك إلى الحق على واضح المحجة ، إلى أن يأتي أمر الله في أشراط الساعة الكبرى ، ويتتابع بعده ما بقي معه إلى قدوم الأخرى ومراده بالأشراط الكبرى : طلوع الشمس من مغربها مثلا ، وله وجه حسن ، وهو أن الخلو من مجتهد يلزم منه إجماع الأمة على الخطأ ، وهو ترك الاجتهاد الذي هو فرض كفاية وقال والده العلامة مجد الدين في كتابه تلقيح الأفهام " : عز المجتهد في هذه الأعصار ، وليس ذلك لتعذر حصول آلة الاجتهاد ، بل لإعراض الناس في اشتغالهم عن الطريق المفضية إلى ذلك وتوقيف الفتيا على حصول المجتهد يفضي إلى حرج عظيم فالمختار قبول فتوى الراوي عن الأئمة المتقدمين كما سيأتي .
وقال جده الإمام تقي الدين أبو العز المقترح ، معترضا على قول إمام الحرمين : " لا يجوز انحطاط العلماء " : إن أراد المجتهدين فلا يصح ، لأنه يجوز ذلك في العادة ، وزماننا هذا قد يشغر منهم وإن أراد به النقلة فهذا يتجه ، فإن العادة لم تقض بانحطاطهم والدواعي تتوفر على نقل الأحاديث ولفظ المذاهب ونقل القرآن نعم ، إن فترت الدواعي وقلت الهمم فيجوز شغور الزمان عنهم ، ولم يوجد ذلك ، انتهى وأما قول الغزالي : وقد خلا العصر عن المجتهد المستقل فقد سبقه إليه القفال شيخ الخراسانيين ، فقيل : المراد مجتهد قائم بالقضاء ، فإن المحققين من العلماء كانوا يرغبون عنه ، ولا يلي في زمانهم غالبا إلا من هو دون ذلك وكيف يمكن القضاء على الأعصار بخلوها عن مجتهد والقفال نفسه كان يقول للسائل في مسألة الصبرة : تسأل عن مذهب أم ما عندي ؟ وقال ، هو الشافعي والشيخ أبو علي : لسنا مقلدين والقاضي الحسين ، بل وافق رأينا رأيه فماذا كلام من يدعي رتبة الاجتهاد ولم يختلف اثنان أن [ ص: 242 ] للشافعي ابن عبد السلام بلغ رتبة الاجتهاد وكذلك ابن دقيق العيد ، كما قاله ابن الرفعة والحق أن العصر خلا عن المجتهد المطلق ، لا عن مجتهد في مذهب أحد الأئمة الأربعة وقد وقع الاتفاق بين المسلمين على أن الحق منحصر في هذه المذاهب ، وحينئذ فلا يجوز العمل بغيرها ، فلا يجوز أن يقع الاجتهاد إلا فيها .