[ ص: 5 ] تعريف العام لغة واصطلاحا قال ( رضي الله عنه ) : لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتى ورد علينا الإمام أحمد بن حنبل ( رضي الله عنه ) . وهو في اللغة : شمول أمر لمتعدد سواء كان الأمر لفظا أو غيره ، ومنه : عمهم الخبر إذا شملهم وأحاط بهم ، ولذلك يقول المنطقيون : العام ما لا يمنع تصور الشركة فيه كالإنسان . ويجعلون المطلق عاما . واصطلاحا : اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له من غير حصر ، أي يصلح له الشافعي ك " من " في العقلاء دون غيرهم ، و " كل " بحسب ما يدخل عليه ، لا أن عمومه في جميع الأفراد مطلقا . وخرج بقيد " الاستغراق " النكرة ، وبقوله : " من غير حصر " : أسماء العدد ، فإنها متناولة لكل ما يصلح له لكن مع حصر . ومنهم من زاد عليه : ( بوضع واحد ) ، ليحترز به عما يتناوله بوضعين فصاعدا كالمشترك . [ ص: 6 ] وذكر اللفظ العام أن العام يطلق أيضا على اللفظ بمجرد مسمياته ، مثل : العشرة ، والمسلمين لمعهود ، وضمائر الجمع ، كما يطلق التخصيص على قصر اللفظ على بعض مسمياته ، وإن لم يكن عاما . وقال ابن الحاجب : " مساواة بعض ما تناوله لبعض " ، ونوقض بلفظ التثنية ، فإن أحدهما مساو للآخر ، وليس بعام وقال أبو علي الطبري : أقل العموم شيئان ، كما أن أقل الخصوص واحد . وكأنه نظر إلى المعنى اللغوي : وهو الشمول ، والشمول حاصل في التثنية ، وإلا فمن المعلوم أن التثنية لا تسمى عموما ، لا سيما إذا قلنا : أقل الجمع ثلاث ، فإذا سلب عنها اسم الجمع فالمعلوم أولى ، ثم إن القفال الشاشي القفال يجوز تخصيص لفظ العموم إلى الثلاثة ، ولا يجوز ، وفي الجمع بين الكلامين تناف . وقال تخصيص اللفظ فيما دون الثلاث : العموم عند أئمة الأصول : هو القول المشتمل على شيئين ، فصاعدا . والتثنية عندهم عموم لما يتصور فيها من معنى الجمع ، والشمول الذي لا يتصور للواحد ، وحصل من هذا خلاف في التثنية : هل لها عموم ؟ وهو غريب . وقال المازري الغزالي : اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين [ ص: 7 ] فصاعدا . واحترز بقوله : " فصاعدا " عن لفظ " التثنية " ، وأراد " بالواحد " مقابل المركب حتى يشمل الاثنين ، واقتضى كلامه في " المستصفى " أن قوله : " واحد ومن جهة واحدة " فصل واحد ، واحتراز به عن قولهم : ضرب زيد عمرا ، فإنه دل على شيئين ، ولكن بلفظين لا بلفظ واحد ، ومن جهتين لا من جهة واحدة . وأراد بالجهتين : الفاعل والمفعول . وقال الصفي الهندي : اعترض عليه بأنه إن أراد دلالة : " ضرب " عليهما فباطل ، لأنها التزامية ، ودلالة العام على معناه بالمطابقة ، وإن أراد به دلالتها على ذاتهما فكذلك ، لخروجه عنه باللفظ الواحد . وقال : يدخل فيه كل معهود ونكرة ، وقد نلتزمه فنقول : إنهما عامان لدلالتهما على شيئين فصاعدا ، وليس كما قال ، أما أولا : فلا نسلم دخوله ، لأنه ليس بجهة واحدة . وأما ثانيا : فلأنه اختار في " المستصفى " أن الجمع المنكر ليس بعام . وقال ابن الحاجب ، ابن فورك وإلكيا الهراسي : اشتهر من كلام الفقهاء أن العموم هو اللفظ المستغرق ، وليس كذلك ; لأن الاستغراق عموم ، وما دونه عموم ، وأقل العموم اثنان ، ولما لم يصح أن يعم الشيء نفسه كان ما زاد عليه يستحق به اسم العموم ، قل أم كثر ، وكذلك قال المتكلمون ، من الواقفية : إنا نقول ، بالعموم ، لا نقول بالاستيعاب ، وهو الخصوص في عبارة أكثر الفقهاء ، لأنهم يقولون لمن يحمل الخطاب على ثلاثة : إنهم أهل [ ص: 8 ] الخصوص ، ولا يمتنع أن يكون الشيء عموما أو خصوصا من جهتين . وقد أخذ جماعة من الأصوليين في حد العام " الاستغراق " ، ولم يأخذه آخرون ، وقد تظهر فائدة ذلك في العام الذي خص به البعض ، فمن اشترط في العموم الاستغراق لا يجوز التمسك به أو يضعفه ، لأنه لم يبق عاما . ومن لم يشترطه وإنما اشترط الدلالة على جمع جوزه