الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      وهاهنا تنبيهات

                                                      الأول : أورد على قولهم : إن تقدم النفي على " كل " لسلب العموم ، ولا يفيد الاستغراق قوله تعالى : { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } فينبغي أن يقيد ذلك بما إذا لم ينتقض النفي ، فإن انتقض فالاستغراق باق كالآية ، ويكون لعموم السلب .

                                                      ومنه : ما كل رجل إلا قائم ، وسببه أن النفي للمجهول ، وما بعد " إلا " لا تسلط للنفي عليه ، لأنه مثبت ، وهو في المفرغ مستند لما قبلها ، وهو كل فرد كما كان قبل دخول النفي والاستثناء .

                                                      الثاني : أن حكم النهي فيما سبق حكم النفي ، فإذا قلت : لا تضرب كل رجل أو كل الرجال ، كان النهي عن المجموع لا عن كل واحد . ولو قلت : كل الرجال لا تضرب ، كان عموما في السلب بالنسبة إلى كل فرد ، ولذلك قال الفقهاء : لو قال : والله لا كلمت كل رجل ، إنما يحنث بكلامهم كلهم ، فلو كلم واحدا لم يحنث ، وهذا وإن لم يكن نهيا فهو في حكمه . وقد رد بعضهم هذه القاعدة بقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم } [ ص: 92 ] { ولا تقتلوا النفس } ونظائره ، فإنه لم يزل العلماء يستدلون به على ثبوت الحكم لكل فرد ، وكذلك قال الفقهاء فيما لو قال : والله لا أطأ كل واحدة منكن ، يكون موليا من كل واحدة ، ويتعلق بوطء كل واحدة الحنث ، ولزوم الكفارة . وهذا يدل على أنه لا فرق بين تقدم النفي وتأخره . وهذا الاعتراض مبني على أن الحكم السابق لا يختص ب " كل " ، بل يتعدى إلى سائر صيغ العموم ، كقولك : لا تضرب الرجال ، وبه صرح بعضهم . قال : إلا أن يكون هناك قرينة تقتضي ثبوت النهي لكل فرد ، وجعل هذا واردا على قول الأصوليين : إن دلالة العموم كلية ، ولم يفصلوا في النفي والنهي بين تقديمها وتأخيرها ، وجعل مثل قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم } إنما ثبت العموم فيه لكل فرد بقرينة ، أو بجعل الألف واللام والإضافة في مثل ذلك لمجرد الجنس لا العموم للقرينة ونحوه . ذكره صاحب " التبيان في علم البيان " في صيغة التثنية والجمع مع " كل " فقال : إذا قلت : لا تضرب الرجلين كليهما كان النهي ليس بشامل ، ومن ثم قالوا : ولكن اضرب أحدهما ، وكذلك لا تأخذهما جميعا ، ولكن خذ واحدا منهما . لكن تقدم عن القرافي التصريح بأن هذا الفرق بين تقدم النفي وعدمه [ ص: 93 ] من خصائص " كل " والظاهر أنه لا يختص ، بل ما دل على متعدد أو مفرد ذي أجزاء كذلك ، فإذا قلت : ما رأيت رجالا ، أو ما رأيت رجلين ، أو ما أكلت رغيفا أو ما رأيت رجلا وعمرا ، كل ذلك سلب المجموع ، لا لكل واحد بخلاف ما لو تقدم السلب

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية