مسألة [ دلالة العموم على الأفراد ، هل هي قطعية  ؟ ] 
إذا ثبت دلالة العموم على الأفراد ، فاختلفوا : هل هي قطعية أو ظنية ؟ والثاني هو المشهور عند أصحابنا . والأول قول جمهور الحنفية . قال صاحب " اللباب " منهم ، وأبو زيد الدبوسي  في " التقويم " : دلالة العام على أفراده قطعية توجب الحكم بعمومه قطعا وإحاطته كالخاص إن كان النص مقطوعا به . وقال  الشافعي    : " لا توجب العلم " ولهذا قلنا : إن الخاص ينسخ العام ، والعام الخاص ، لاستوائهما رتبة ، وعنده يجوز نسخ العام بالخاص  ، ويمتنع نسخ الخاص بالعام  ، ولهذا قال أصحابنا فيمن أوصى لزيد بخاتم ، ثم لعمرو بفصه في كلام مفصول : بالحلقة للأول على الخصوص ، والفص بينهما ، لأن الأول استحق الفص بوصية عامة للفص والخاتم ، والثاني استحق الفص بوصية خاصة ، فزاحمه بالمشاركة معه . انتهى .  [ ص: 36 ] 
وأطلق  الأستاذ أبو منصور  النقل عن  الشافعي   ومالك   وأبي حنيفة  ، بأن دلالته على أفراده قطعية ، وكذا نقله الغزالي  في " المنحول " عن  الشافعي  أيضا . 
قال إمام الحرمين  وابن القشيري    : الذي صح عندنا من مذهب  الشافعي  أن الصيغة إن تجردت عن القرائن  فهي نص في الاستغراق ، وإن لم يقطع بانتفاء القرائن : فالتردد باق وجرى عليه الإبياري  في " شرح البرهان " وزاد حكايته عن المعتزلة    . 
قال : والمأخذ مختلف ، فالمعتزلة  تلقوه من استحالة تأخير البيان عن الخطاب  ، فلو كان المراد به غير ما هو ظاهر ; لكان تأخير البيان ، وهو محال .  والشافعي  كأنه يرى أن التخصيص إنما يكون واردا على كلام المتكلم لاقتران اللفظة المختصة به عند الإطلاق . 
قال : وهذا بحث لغوي يفتقر إلى النقل ، وقد رأيت من ينكر على الإبياري  هذا النقل عن  الشافعي  ظنا منه تفرده بهذا . نعم ، قد أنكره الإمام أبو الحسن الطبري المعروف بإلكيا  ، فقال في كتابه " التلويح " : نقل عن  الشافعي  أن الألفاظ إذا تعرت عن القرائن المخصصة  كانت نصا في الاستغراق ، لا يتطرق إليها احتمال ، وهذا لم يصح عنه ، وإن صح عنه فالحق غيره ، فإن المسميات النادرة يجوز أن لا تراد بلفظ العام ، ويجب منه أن التخصيص إذا ورد في موضع آخر كان نسخا ، وذلك خلاف رأي  الشافعي    . انتهى . 
ولعل إمام الحرمين  في نقله عن  الشافعي  كونها قطعية أخذه من قوله : إنها نص ، وفيه نظر ، فإن  الشافعي  يسمي الظواهر نصوصا كما نقله الإمام في " البرهان " عنه في موضع آخر ، وهذا هو الحق ، وإليه يشير كلام  [ ص: 37 ] ابن السمعاني  في " القواطع " فإنه قال : وعن بعض الحنفية أن العموم نص فيما تناوله من المسميات  ، وقد سمى  الشافعي  الظواهر نصوصا في مجاري كلامه ، والأولى أن لا يسمي العموم نصا لأنه يحتمل الخصوص ، ولأن العموم فيما يدخل فيه من المسميات ليس بأرفع وجوه البيان ، ولكن العموم ظاهر في الاستيعاب ، لأنه يبتدر إلى الفهم ، ذلك مع أنه يحتمل غيره ، وهو الخصوص . انتهى . 
وقال ابن برهان    . في الكلام على أن السبب لا يخصص    : يجوز أن يكون العام نصا في بعض المسميات دون بعض ، ولهذا المعنى قال أصحابنا : يجوز أن يكون اللفظ الواحد نصا في بعض المسميات ، وهي الظاهرة التي يقطع بكونها مقصودة صاحب الشرع ، ولا يجوز تخصيصها واستخرجها عن مقتضى العام ، ويكون ظاهرا في البعض ، فيحتمل أن يكون مقصود الشرع ، ويحتمل أن لا يقصده ، فحينئذ تقول : شمله العام ويدخله التخصيص . وفرق إمام الحرمين  بين أدوات الشرط وغيرها ، فرأى أن أدوات الشرط تدل دلالة قطعية وإنما نقل التخصيص بناء على القرائن ، ورأى أن جمع الكثرة يدل ظاهرا لا قطعيا . واختار الغزالي  في " المنخول " أنه نص في أقل الجمع ظاهر فيما وراءه ; وخص  المازري  الخلاف بما زاد على أقل الجمع ، أما ما دونه فدلالته عليه قطعية . والمختار الذي عليه أكثر أصحابنا أن دلالته عليه بطريق الظهور ، وإلا لما جاز تأكيد الصيغ العامة إذ لا فائدة فيه ، وقد قال تعالى : { فسجد  [ ص: 38 ] الملائكة كلهم أجمعون    } . 
ويبنى على هذا الأصل مسائل 
منها : وجوب اعتقاد عمومه قبل البحث عن المخصص ومنها : تخصيص العموم بالقياس وخبر الواحد الظنيين ابتداء ، والعام بالخاص  وأن الخاص لا يصير منسوخا بالعام ، خلافا  لأبي حنيفة  ، ومن ثم رجح  الشافعي  خبر العرايا على خبر التمر كيلا بكيل . تنبيه 
قولهم العام ظني الدلالة ، والخاص مقطوع الدلالة ، لا يريدون به أن دلالة اللفظ فيه قطعية ، بل إن العام يحتمل التخصيص ، والخاص لا يحتمله . فرع 
لو قال في الإقرار : له عندي خاتم ، ثم قال : ما أردت الفص ، ففي قوله وجهان : أصحهما لا ; لأن الفص متناول لاسم الخاتم ، فهو رجوع عن بعض ما أقر به فلا يقبل . وهذا يقتضي أن دلالة العام على أفراده قطعية عندنا  ، وقد قال اللغويون : الخاتم في اللغة : اسم للحلقة مع الفص ، وإلا فهو حلقة . وقيل فتخ . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					