وقال ابن السمعاني في " القواطع " وأما كلمة " أي " فقيل : كالنكرة ، لأنها تصحبها لفظا ومعنى ، تقول : أي رجل فعل هذا ، وأي دار ؟ قال تعالى : { أيكم يأتيني بعرشها } وهي في المعنى نكرة ، لأن المراد بها واحد منهم . انتهى . وحاصل كلامهم أنها للاستغراق البدلي لا الشمولي ; لكن ظاهر كلام أنها للعموم الشمولي ، فإنه قال فيما إذا الشيخ أبي إسحاق ، أنه تطلق كل واحدة منهن ثلاثا وذكر غيره من قال لأربع نسوة : أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق ، فقلن حضن ، وصدقهن العراقيين . [ ص: 106 ] وخرج لنا من هذا أنا إذا قلنا : إنها للعموم ، فهل هو عموم شمول أم بدل ؟ وجهان ، وتوسع القرافي فعدى عمومها إلى الموصولة والموصوفة في النداء ومنهم من لم يعدها في الصيغ كالغزالي وابن القشيري ، لأجل قول النحاة : إنها بمعنى " بعض " إن أضيفت إلى معرفة ، وقول الفقهاء : كما في " كلما " . والحق أن عدم التكرار لا ينافي العموم ، وكون مدلولها أحد الشيئين قدر مشترك بينها وبين بقية الصيغ في الاستفهام ، وقد سبق أن " من ، وما " الاستفهاميتين للعموم فلتكن " أي " كذلك . أي وقت دخلت الدار فأنت طالق ، لا يتكرر الطلاق بتكرر الدخول
وقال صاحب " اللباب " من الحنفية وأبو زيد في " التقويم " كلمة " أي " نكرة ، لا تقتضي العموم بنفسها إلا بقرينة ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { أيكم يأتيني بعرشها } ولم يقل يأتوني ، ولو قال لغيره : أي عبيدي ضربته فهو حر ، فضربهم لا يعتق إلا واحد ، فإن وصفها بصفة عامة كانت للعموم ، كقوله : عتقوا ، لعموم فعل الضرب . وصرح أي عبيدي ضربك فهو حر ، فضربوه جميعا إلكيا الطبري بأنها ليست من صيغ العموم ، فقال : وأما " أي " فهو اسم فرد يتناول جزءا من الجملة المضافة ، قال تعالى : { أيكم يأتيني بعرشها } وإنما جاء به واحد ، وقال : { أيكم أحسن عملا } . [ ص: 107 ] والعرب تقول : أي الرجل أتاك ؟ ولا تقول : أي الرجال أتاك ؟ إذ لا عموم في الصيغة . انتهى . وكذلك قال الغزالي في فتاويه " : لو لا يعتق إلا واحد ، وكذلك قال : أي رجل دخل المسجد فله درهم ، فإنه يقصر على الواحد ، وهذا بناه على أنها ليست للعموم . وقال قال : أي عبيدي حج فهو حر ، فحجوا كلهم : إذا قال أي عبيدي ضربك فهو حر ، فضربوه كلهم عتقوا جميعا ، وإن محمد بن الحسن لا يعتق إلا واحد . قال : أي عبيدي ضربته فهو حر ، فضرب جماعة
وصرح به في فتاويه " ، وفي فتاوى القاضي الحسين الشاشي أنه لا فرق عندنا بين الصورتين ، وأنهم يعتقون جميعا عملا بعموم " أي " وبذلك صرح فقال : " أي " أعم المبهمات ، وزعم أصحاب الرأي أنه على الواحد غالبا ، ولذلك قال الأستاذ أبو منصور : وأي عبيدي ضربت فهو حر ، أن ذلك يحمل على الواحد وأي عبيدي ضربك فهو حر أنه يحمل على الجميع ، لأنه أضاف الفعل الذي علق به الحرية إلى الجماعة . قال أبو حنيفة الأستاذ : وقلنا بعموم هذا اللفظ في الموضعين . انتهى . ووجه ابن يعيش وغيره من النحاة مسألتي بأن الفعل في المسألة الأولى عام وفي الثانية خاص ، فإنه في الأولى مسند إلى ضمير عبيدي ، وهي كلمة عموم ، وفي الثانية مسند إلى ضمير المخاطب وهو خاص ، ثم قرروا أن الفعل يعم بعموم فاعله لا بعموم مفعوله من جهة أن الفاعل كالجزء من الفعل ، وهو لا يستغنى عنه ، ولا كذلك الفعل والمفعول ، لأن المفعول قد يستغني عنه الفعل ، فيلزم أن يسري عموم الفاعل [ ص: 108 ] ولا يلزم أن يسري عموم المفعول إلى الفعل . محمد بن الحسن
وهذا هو الذي وجه به الفرق بينهما ، فإنه قال : فرع إذا القاضي الحسين في أصح الوجهين ، وإذا قال : طلق من نسائي من شئت ، لا يطلق الكل ، فله أن يطلق كل من اختارت الطلاق ، والفرق أن التخصيص والمشيئة مضاف بمعنى في الأولى إلى واحد ، فإذا اختار واحدة سقط اختياره ، وفي الثانية الاختيار مضاف إلى جماعة ، فكل من اختارت طلقت . نظيره ما إذا قال : طلق من نسائي من شاءت ، لا يعتق الثاني ، لأن حرف " أي " وإن كان حرف تعميم فالمضاف إليه الضرب واحد ، وإذا قال : أي عبد من عبيدي ضربته فهو حر ، فضرب عبدا ثم عبدا عتقوا ; لأن الضرب مضاف إلى جماعة . انتهى . وقد اعترض الإمام قال : أي عبيدي ضربك فهو حر ، فضربه عبد ثم عبد جمال الدين بن عمرون النحوي الحلبي وقال : لا فرق بين الصورتين والفعل عام فيهما ، وضمير الفاعل والمفعول في ذلك على حد سواء ، واستدل بقول العباس بن مرداس يخاطب النبي عليه السلام :
وما كنت دون امرئ منهما ومن تخفض اليوم لا يرفع
فإن " من " الشرطية عامة باتفاق ، والمراد عموم الفعل مطلقا ، مع أن الاسم العام هنا إنما هو ضمير المفعول المحذوف ، إذ التقدير : ومن تخفضه اليوم وهو عائد على " من " وهو الاسم العام ، وأما ضمير الفاعل فخاص ، [ ص: 109 ] وهو ضمير النبي عليه السلام ، وهذا وزان قوله : أي عبيدي ضربته ، التي ادعى فيها عدم عموم الفعل .واختار أيضا التعميم فيهما ، وقال : نسبة فعل الشرط إلى الفاعل وإلى المفعول في اقتضاء التعميم في المشروط عند حصول الشرط وعدمه سواء ، وأن التعميم فيما وقع النزاع فيه ليس من قبيل إثبات المشروط بتكرير الشرط ، وأنه لا فرق بين : أي عبيدي ضربته فهو حر ، وأي عبيدي ضربك فهو حر ، في أنه يعتق المضروبون للمخاطب كلهم ، كما يعتق الضاربون للمخاطب كلهم واستشهد على ذلك " بمن " ، فإنه قد تساوى فيها الأمران ، قال الله تعالى : { ابن الحاجب من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون } فإنه مساو في الدلالة على التعميم لنحو قوله تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } والأول : منسوب في شرطه إلى عموم المفعول وهو المصدر منازعا فيه .
الثاني : منسوب إلى عموم الفاعل وهو المتفق عليه ، إذا ثبت في " من " فكذلك في " أي " بل هي من أقوى من " من " في الدلالة على التفصيل . تنبيه
عدى الحنفية هذا إلى : أي عبيدي ضرب مبنيا للمفعول ، هكذا قاله ; لأن الفاعل وإن لم يذكر فهو في حكم المذكور ، ويرده قوله صلى الله عليه وسلم : { ابن جني } ، وقد قالوا هم فيه بالعموم أكثر منا ، لأنهم أدرجوا فيه جلد الكلب . [ ص: 110 ] تنبيه أيما إهاب دبغ فقد طهر
إذا اتصلت " أي " " بما " كانت تأكيدا لأداة الشرط ، وزعم إمام الحرمين في " البرهان " في باب التأويل أن " ما " المتصلة بها للعموم في نحو : { } ، فاعتقد أنها " ما " الشرطية ، وهو وهم ، وقد قارب أيما امرأة أنكحت نفسها الغزالي في " المستصفى " هناك فجعلها مؤكدة للعموم ، هو أقرب مما قاله الإمام إلى الصواب ، لكن الصواب أنها توكيد لأداة الشرط ، وهو عند النحويين من التوكيد اللفظي كأنه كرر اللفظ .