[ ص: 164 ] الثامنة : كقوله تعالى : { مما يتفرع على أن النكرة المنفية للعموم نفي المساواة بين الشيئين لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة } فهو عام عندنا ; لأن نفي المساواة بين الشيئين يقتضي نفيها من كل وجه ، حتى احتج به أصحابنا على امتناع ; لأنه يقتضي الاستواء ، والله تعالى قد نفاه . القصاص من المسلم للكافر
وخالفت الحنفية ومنعوا عمومه ، وبه قالت المعتزلة . ووافقهم الغزالي ، وصاحب " المعتمد " و " المحصول " لأن نفي الاستواء المطلق لا يحتمل نفي الاستواء من كل وجه ; لأن الأعم لا يستلزم الأخص ، وهو مردود ، فإن ذلك في جانب الثبوت ، أما في النفي فيدل ; لأن نفي العام يدل على نفي الخاص وهو نفي الحقيقة العامة ، فتنتفي جزئياتها .
ومأخذ الخلاف أن المساواة في الإثبات ، هل مدلولها لغة : المشاركة في كل الوجوه حتى يكون اللفظ شاملا ؟ أو مدلولها المساواة في بعض الوجوه حتى يصدق بأي وجه ؟ فإن قلنا بالأول لم يكن النفي للعموم ; لأن نقيض الكلي الموجب جزئي سالب ، وإن قلنا بالثاني كان للعموم ، لأن نقيض الجزئي الموجب كلي سالب ، وحاصله أن صيغة " لا يستوي " عموم سلب التسوية أو سلب عموم التسوية ، فعلى الأول يمتنع ثبوت شيء من أفرادها ، وعلى الثاني لا يمتنع ثبوت البعض .
فإن قلت : فهذا يرجح مذهبهم ، لأن حرف النفي سابق ، وهو شرط [ ص: 165 ] لسلب العموم . قلت : الشرط أن يتقدم على لفظ عام تحته متعدد ، فإذا سلب عمومه نفي الحكم عن بعض الأفراد ، نحو : لم أضرب كل الرجال ، بخلاف لا يستويان ، فإن السلب دخل على ماهية الاستواء ، والماهية من حيث هي هي لا تعدد فيها ولا اتحاد ، فلم يبق بعد سلبها شيء يثبت له الحكم ، فلهذا قلنا : إن هذه الصيغة من باب عموم السلب لا سلب العموم .
وأما فإنه لما رأى المباحث متقابلة من الجانبين عدل عن مدلول اللفظ وأحال العموم على النفي ، فإن الفعل لما وقع في جانب النفي كان نفيا لمصدره كما سيأتي ، فلذلك قال : والتحقيق أن العموم من النفي ، وهو الذي عول عليه ابن الحاجب الآمدي .
وسلك إلكيا الطبري طريقة أخرى ، فحكى عن قوم أنه من باب المجمل ، لأن نفي الاستواء إذا أطلق فيما ثبت بالدليل أنه متماثل بالذات إنما يعني به في بعض أوصافه ، وذلك غير بين من اللفظ ، فهو مجمل ; إذ قال : ومتى عقب هذا النوع بشيء فرق بينهما فيه ، وجب حمل أوله عليه ، والمراد بذلك أنهما لا يستويان في الفوز بالجنة ، ولذا قال في آخره : { أصحاب الجنة هم الفائزون } وعليه جرى الصفي الهندي .
فقال : الحق أن قوله : يستوي أو لا يستوي ، من باب المجمل من المتواطئ ، لا من باب العام ، ونظيره : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } .
ونظير هذا الخلاف خلاف الأصوليين في قوله تعالى : { وليس الذكر كالأنثى } هل هو عام حتى يخص ما يخص من [ ص: 166 ] الأحكام بدليل ، أو مجمل ; لأنا نعلم ضرورة مساواتهما في الإنسانية وغير ذلك ؟ وعلى الأول يحتج به على أن المرأة لا تكون قاضيا ولا إماما ، ولا يلزمها الجمعة وغير ذلك بخلاف الثاني . تنبيه
هذا الخلاف في عموم المساواة يجري في كلمة مثل ، بل هو أدل على المشابهة من لفظ المساواة ، ولم يذكروه ، قال ابن دقيق العيد : . لفظ المثل دال على المساواة بين الشيئين إلا فيما لا يقع التعدد إلا به