قوله تعالى: والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة : قال وغيره: يعني: ابن عباس، المدينة.
يعني: النصر، والفتح. الضحاك:
ولأجر الآخرة أكبر : يعني: الجنة.
معنى {حسنة} : لسان صدق. مجاهد:
و (الهجرة) المذكورة ههنا: هي الهجرة التي هاجرها الصحابة إلى أرض الحبشة; لأن السورة مكية، وقيل: نزلت الآية فيمن عذبه المشركون في الله تعالى.
وقوله: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم : قيل لهم هذا حين قالوا: أبعث الله بشرا رسولا [الإسراء: 94].
[ ص: 31 ] وقوله: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون : يعني: أهل التوراة والإنجيل; أي: فإنهم يخبرونكم أن الرسل المتقدمة كانوا رجالا.
سلوهم عن ابن عباس: محمد; يعني: من آمن منهم.
ابن زيد: أهل الذكر : أهل القراءة; يعني: من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به.
بالبينات والزبر : [أي: بالبراهين والكتب، والباء متعلقة بفعل محذوف; أي: أرسلناهم بالبينات]، ودل {أرسلنا} الأول على المحذوف، وأجاز قوم تعلقها بـ {أرسلنا} الظاهر; على أن يكون {إلا} بمعنى: (غير) .
وقوله تعالى: أو يأخذهم في تقلبهم : قال في تقلبهم في أسفارهم، قتادة: في تقلبهم بالليل. الضحاك:
أو يأخذهم على تخوف : قال ابن عباس، وغيرهما: أي: على تنقص; أي: في أموالهم، ومواشيهم، وزرعهم. ومجاهد،
المعنى: يأخذ طائفة، ويدع طائفة، فتخاف الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها. الضحاك:
[ ص: 32 ] وقال رضي الله عنه: ما كنت أعرف ما التخوف؟ حتى سمعت قول الشاعر: [من البسيط] عمر
تخوف السير منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن
يصف ناقة نقص السير سنامها بعد تمكه واكتنازه.الليث بن سعد: على تخوف : على عجل.
وقوله تعالى: أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله : قال قتادة، وغيرهما: يعني: أول النهار وآخره; لأن الظل بالغداة يتقلص عن الجبل من جهة اليمين، ويتقلص بالعشي من جهة الشمال. والضحاك،
يعني: سجود الجسم، وسجوده: انقياده، وما يرى فيه من أثر الصنعة، وهذا يشتمل على المؤمن والكافر، وقيل: المراد بذلك: سجود الظل، لا الجسم; فالكافر يسجد لغير الله، وظله يسجد لله تعالى. الزجاج:
[ ص: 33 ] ووحد (اليمين) ، وجمع (الشمال) ; لأن معنى اليمين وإن كان واحدا الجمع، ويجوز أن يكون رد {اليمين} على لفظ {ما} ، و {الشمائل} على معناها.
ومعنى وهم داخرون : وهم خاضعون صاغرون.
وقوله: ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة يعني: الملائكة الذين في الأرض، ودخلت {من} في قوله: من دابة ; لأن المعنى الجمع; أي: من الدواب.
وقيل: دخلت; لما في {ما} من الإبهام; فأشبهت الشرط في نحو: (من ضربك من رجل; فاضربه) .
وقوله تعالى: يخافون ربهم من فوقهم أي: عقاب ربهم، وقيل: وصف الباري تعالى نفسه بذلك; دلالة على العلو والقدرة.
وقوله: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين : قيل: المعنى: لا تتخذوا اثنين إلهين، وقيل: جاء قوله: {اثنين} تأكيدا.
وقوله تعالى: وله الدين واصبا : قيل: معناه: دائما، قاله ابن عباس [ ص: 34 ] وغيرهما، وعن والحسن أيضا: {واصبا} أي: واجبا. ابن عباس
المعنى: له الطاعة على كل حال وإن كان فيها الوصب; أي: التعب. الحسن:
وقوله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله : [أي: فمن الله هي، الفراء: التقدير: وما يكن بكم من نعمة; فمن الله، و] قيل: إن {ما} بمعنى: (الذي) ; فلا يحتاج على هذا إلى إضمار فعل، ودخول الفاء للإبهام الذي في (الذي) .
وقوله: فإليه تجأرون : قال وغيره: تتضرعون بالدعاء، وأصله: من (جؤار الثور) ; وهو رفعه صوته من جوع أو غيره. مجاهد،
ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون أي: يجعلون له أندادا يذبحون لها الذبائح، هذا خاص لمن كفر. الزجاج:
ليكفروا بما آتيناهم أي: ليجعلوا النعمة سببا للكفر، وقيل: المعنى: ليجحدوا النعمة التي أنعم الله تعالى بها عليهم.
[ ص: 35 ] فتمتعوا فسوف تعلمون أي: تعلمون عاقبة أمركم، وهو وعيد وتهدد.
وقوله: ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم : [أي: لما لا يعلمون] أنه يضر وينفع نصيبا مما رزقناهم يتقربون إليه به، قاله مجاهد، وغيرهما; فـ {تعلمون} على هذا: للمشركين، وقيل: هو للأوثان، وجرى بالواو والنون مجرى من يعقل; فهو رد على {ما} ، ومفعول (يعلم) محذوف; والتقدير: ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعلم شيئا نصيبا. وقتادة،
وقوله: ولهم ما يشتهون يعني: البنين.
وقوله تعالى: ظل وجهه مسودا : كناية عن غمه بالبنت، ومعنى {كظيم} : حزين، عن ابن عباس، كميد، واشتقاقه من (الكظامة) ; وهو سد فم القربة; فكأنه - لشدة الغم الذي به- لا يقدر أن يتكلم. الضحاك:
يتوارى من القوم : روي: أن أحدهم كان إذا حضرت ولادة امرأته توارى، فإن ولدت أنثى; استتر، وربما وأدها.
[ ص: 36 ] وقوله تعالى: أيمسكه على هون أم يدسه في التراب : هذا تفسير لقوله: وهو كظيم ، و (الهون) و (الهوان) بمعنى، و (الدس في التراب) : ما كانوا يفعلونه من دفن البنت فيه حية.
ألا ساء ما يحكمون يعني: من جعلهم البنات لله تعالى وهم يكرهونهن.
وقوله: ولله المثل الأعلى أي: الوصف الأعلى من الإخلاص والتوحيد، وأضافه ههنا إلى نفسه، وقد قال في موضع آخر: فلا تضربوا لله الأمثال [النحل: 74]; [لأن معناه هناك: فلا تضربوا لله الأمثال] التي توجب الأشباه، وفي المثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير.
وقيل: هو ما يضربه لخلقه من أمثال الحكمة; كما قال تعالى: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [العنكبوت: 43].
وقوله تعالى: ما ترك عليها من دابة يعني: على الأرض، [فأضمر ولم يتقدم ذكر (الأرض) ]; إذ قد عرف المعنى.
ووجه ما أخبر به من إهلاكه جميع ما على وجه الأرض لو واخذ العباد [ ص: 37 ] بظلمهم: أن ما أصاب الظالم من ذلك; فهو عقاب، وما أصاب المؤمن; عوضه منه الثواب.
وقيل: إنه خاص، والمعنى: من دابة كافرة.
[وقيل: المعنى: أنه لو أهلك الآباء بكفرهم; لم تكن الأبناء].
وقوله: ويجعلون لله ما يكرهون يعني: البنات.
وقوله: وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى : قال هو قولهم: إن لهم البنين ولله تعالى البنات. مجاهد:
غيره: {الحسنى} : الجنة.
لا جرم أن لهم النار : قد تقدم القول فيه.
وأنهم مفرطون أي: أنهم متركون في النار منسيون، قاله مجاهد، وغيرهما. وقتادة،
معجلون إلى النار. الحسن:
وقيل: مقدمون، والعرب تقول: (أفرطنا على الماء رجلا) ، فهو مفرط; إذا قدم لطلبه، و (فرط هو) ، فهو فارط، وهذا التفسير على قراءة من فتح الراء وخفف.
[ ص: 38 ] ومن قرأ: {مفرطون} ; فهو من (أفرط في الشيء) ; إذا أسرف، وبالغ فيه; فالمعنى: مبالغون في كفرهم.
ومن قرأ: {مفرطون} ; فمعناه: مضيعون.
وقوله تعالى: تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك : هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم; لأن من تقدمه من الأنبياء قد كفر بهم قومهم.
فهو وليهم اليوم أي: ناصرهم في الدنيا على زعمهم، {ولهم} في الآخرة عذاب أليم .
وقيل: المراد بقوله: {اليوم} : يوم القيامة; أي: يقال لهم: هذا وليكم; فاستنصروا به; لينجيكم من العذاب; على التوبيخ لهم.
وقوله: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه أي: مما في بطون ما ذكرناه; فحمل على المعنى، وقيل: الهاء راجعة [على الجنس، وقيل: هي [ ص: 39 ] راجعة] على واحد {الأنعام} ; لأن معنى (النعم) و {الأنعام} سواء.
من بين فرث ودم : (الفرث) : الثفل الذي ينزل إلى الكرش; فأعلم الله تعالى أن هذا اللبن يخرج من بين ذلك وبين الدم الذي في العروق.
وقوله تعالى: لبنا خالصا سائغا للشاربين معنى قوله: {سائغا} : لا يغص به من يشربه، وقيل: إنه لم يغص أحد بلبن قط.
وقيل: المعنى: ينساغ في الحلق، لا بشاعة فيه.
وقوله تعالى: ومن ثمرات النخيل والأعناب الآية: قد تقدم القول فيه.
وأوحى ربك إلى النحل أي: ألهمها، قاله ابن عباس، ومجاهد.
[ ص: 40 ] جعل ذلك في غرائزها. الحسن:
ومما يعرشون : قيل: هو من البيوت، وقيل: من الكرم.
فاسلكي سبل ربك ذللا ; [يجوز أن يكون قوله: {ذللا} ] للنحل، [فيكون المعنى: مطيعة، ويجوز أن يكون للسبل]; فيكون المعنى: سهلة السلوك، والأول قول والثاني اختيار ابن زيد، الطبري.
وقوله: فيه شفاء للناس : قيل: (الهاء) للعسل، وهو مذهب الحسن، وقتادة; والمعنى: فيه شفاء لبعض الناس.
وقيل: إنما كان فيه شفاء; لكثرة تصرفه في المعاجين والأدوية التي يتعالج بها.
وقيل: (الهاء) للقرآن، وهو مذهب مجاهد.