الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: يحلون فيها من أساور من ذهب : (الأساور) جمع (أسورة) ، و (أسورة) : جمع (سوار) ، و (سوار) .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 184 ] قطرب: {أساور} : جمع (إسوار) على حذف الياء، والأصل: (أساوير) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من سندس وإستبرق : (السندس) : رقيق الديباج، واحده: (سندسة) ، و (الإستبرق) : الغليظ المحكم منه.

                                                                                                                                                                                                                                      متكئين فيها على الأرائك : وهي السرر في الحجال، الواحدة: (أريكة) ، وقيل: هي الفرش في الحجال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن المضروب بهما المثل كانا أخوين من بني إسرائيل، ورثا مالا، فاقتسما، فأنفق أحدهما نصيبه في طاعة الله تعالى، وكان مؤمنا، واكتسب الآخر بنصيبه الجنتين المذكورتين، وكان كافرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كلتا الجنتين آتت أكلها : جاء {آتت} ; لأن {كلتا} بمعنى: (كل) ، ويجوز (آتتا) ، و (آتى) على الحمل على المعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم تظلم منه شيئا أي: لم تنقص.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان له ثمر : قال ابن عباس، وقتادة: يعني: صنوف الأموال.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: يعني: الذهب والفضة.

                                                                                                                                                                                                                                      و[(الثمر: جمع (ثمار) ، و (ثمر) ، أو يكون واحدا; كـ (عنق) ، و (الثمر) : [ ص: 185 ] مخفف منه، و (الثمر) : جمع] (ثمرة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأعز نفرا أي: رجالا وأنصارا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهو ظالم لنفسه أي: بكفره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله إخبارا عن الكافر: وما أظن الساعة قائمة قال ذلك شاكا في البعث، ثم قال: ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ، قياسا على ما أعطيه في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أكفرت بالذي خلقك من تراب يعني: خلق أباك.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم سواك رجلا أي أكمل خلقك، ولم يجعلك امرأة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لكنا هو الله ربي أي: لكن أنا أقول: هو الله ربي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قلت ما شاء الله أي: ما شاء الله كان، أو نحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويرسل عليها حسبانا من السماء أي: عذابا.

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: (الحسبان) : الحساب، فالمعنى: عذاب حساب بما قدمت يداك.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: (الحسبان) : المرامي، وأصلها: السهام التي يرمى بها [ ص: 186 ] بمجار في طلق واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      فتصبح صعيدا زلقا : تقدم القول في (الصعيد) . و (الزلق) : الذي تزل عنه الأقدام، والمعنى: تصبح لا نبات فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو يصبح ماؤها غورا أي: غائرا، والتقدير: ذا غور، فوضع المصدر في موضع اسم الفاعل، للمبالغة في الصفة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلن تستطيع له طلبا أي: لم يبق له أثر فيطلب.

                                                                                                                                                                                                                                      وأحيط بثمره أي: أهلك ثمره.

                                                                                                                                                                                                                                      فأصبح يقلب كفيه : العرب تستعمل هذا في كل نادم.

                                                                                                                                                                                                                                      على ما أنفق فيها أي: في الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا : هذا قوله في الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله : قيل: من هلاك جنته، وقيل: من العذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 187 ] وقوله: هنالك الولاية لله الحق أي: في ذلك الموطن الولاية لله وحده، لا يملكها سواه فحينئذ يؤمنون بالله وحده، ويتبرؤون مما سواه.

                                                                                                                                                                                                                                      وخير عقبا أي: عاقبة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأصبح هشيما تذروه الرياح : (الهشيم) ما جف وتفتت من النبات، تذروه الرياح : تطيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والباقيات الصالحات روي عن ابن عباس: أنها الطاعات، كالصلاة والصيام، وشبههما، وعنه أيضا: أنها الصلوات الخمس، وعنه أيضا: أنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي نحوه عن عثمان، وزاد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

                                                                                                                                                                                                                                      وخير أملا يعني: ما يؤمل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وترى الأرض بارزة أي قد اجتثت ثمارها، وقلعت جبالها، وهدم بنيانها، فهي ظاهرة، وقيل: معنى {بارزة} : قد أبرز من فيها من الموتى، فالمعنى: ذات بروز، على النسب.

                                                                                                                                                                                                                                      فلم نغادر منهم أحدا أي: لم نترك.

                                                                                                                                                                                                                                      وعرضوا على ربك صفا أي: في صعيد واحد، لا يسترهم شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة أي: يقال لهم ذلك، ومعناه:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 188 ] بعثناكم كما خلقناكم أول مرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه عراة حفاة غرلا، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا يعني: إنكارهم البعث.

                                                                                                                                                                                                                                      ووضع الكتاب يعني: كتاب الخلائق.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقولون يا ويلتنا : هذا مستعمل لكل من وقع في هلكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها قيل: (الكبيرة) : الشرك، و (الصغيرة) : ما دونه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يظلم ربك أحدا أي: لا يأخذ أحدا إلا بذنوبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ففسق عن أمر ربه أي: خرج، وتقدم خبر إبليس، وقيل: المعنى: فكان فسقه عن أمر ربه إذ عصاه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهم لكم عدو أي أعداء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بئس للظالمين بدلا أي: بئس ما استبدلوه من طاعة الله عز وجل بطاعة إبليس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي: لم أحضرهم ذلك، فأستعين بهم فيه، وقيل: المعنى: لم يكونوا موجودين حينئذ.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 189 ] وقوله: وما كنت متخذ المضلين عضدا أي أعوانا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعلنا بينهم موبقا أي: مهلكا، عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: عداوة.

                                                                                                                                                                                                                                      أنس بن مالك: (موبق) : واد في جهنم من قيح ودم، قال غيره: يحجز بين أهل النار وبين المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: هو نهر من نار يسيل في جهنم، على حافتيه حيات مثل البغال الدهم، إذا ثارت إليهم لتأخذهم، اقتحموا في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: {موبقا} موعدا.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قال: معناه: مهلكا، فـ (بين) عنده اسم، والمعنى: وجعلنا تواصلهم مهلكا لهم في الآخرة، وهو على الأقوال الأخر ظرف، [ويجوز إذا جعل معناه عداوة أن يكون اسما].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فظنوا أنهم مواقعوها أي: أيقنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولم يجدوا عنها مصرفا أي: معدلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا : يريد: الكفار، فهو كقوله: إن الإنسان لظلوم كفار [إبراهيم: 34] وقيل: هو عام.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 190 ] وقوله: وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى الآية: أي: ما منعهم من الإيمان إلا طلب إتيان سنة الأولين، وهي معاينة العذاب، وذلك كقولهم: فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [الأنفال: 32].

                                                                                                                                                                                                                                      أو يأتيهم العذاب قبلا أي فجأة، وقيل: عيانا، وقيل: مقابلة، وقد تقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا : هذا فيمن سبق في علم الله أنه يموت كافرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لن يجدوا من دونه موئلا قال ابن عباس، وغيره: أي ملجأ.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: (الموئل) : المحرز.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: المنجى، كقولهم: (لا وألت نفسه) أي لا نجت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعلنا لمهلكهم موعدا أي: لإهلاكهم، أو لوقت إهلاكهم، ومن فتح الميم واللام، فالمعنى: لهلاكهم، [فهو مصدر من (هلك) ، مثل: (المضرب) ، وكذلك هو فيمن فتح الميم وكسر اللام، فهو كـ (المرجع) ، كقوله تعالى: إليه مرجعكم [يونس: 4] والمصدر في القراءة الأولى مضاف إلى المفعول، وفي القراءتين الأخريين مضاف إلى الفاعل، لأن (هلك) لا يتعدى، وقد حكي [ ص: 191 ] تعديه، مثل: (رجع ورجعته) ، فيكون المصدر على هذا مضافا إلى مفعول; كالقراءة الأولى].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {موعدا} معناه: أجلا عن مجاهد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية