الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فأجمعوا كيدكم : من قرأه من (جمع ) ؛ فلأن قبله : فجمع كيده .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو علي : قال أبو الحسن : يقال : (جمعت كيدي ) ، و (جمعت أمري ) ، وإنما يقطعون إذا قالوا : (أجمعنا على كذا ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {فأجمعوا} ؛ جاز أن يكون لغة فيه ، وجاز أن يكون التقدير ، فأجمعوا على كذا ، ثم ينصب {كيدكم} بإضمار فعل .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {ثم ايتوا صفا} ؛ بياء بعد الميم ؛ فإنه لما أبدل الهمزة الساكنة من ثم ائتوا ألفا ؛ أبدل الألف ياء ؛ كما تبدل في نحو قوله : [من الرجز ] .


                                                                                                                                                                                                                                      لنضربن بسيفنا قفيكا

                                                                                                                                                                                                                                      وشبهه ، ومن كسر الميم من {ثم} ؛ فلأن الميم من {ثم} لما قامت في الوصل مقام ألف الوصل في الابتداء ؛ حركت بحركتها ؛ لتكون الكسرة دالة على [ ص: 336 ] ألف الوصل ، وهو بعيد ، قال أبو علي : هو خطأ .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {تخيل إليه} ؛ بالتاء ؛ فالتأنيث للحبال والعصي ، وينبغي على هذه القراءة أن يكون أنها تسعى بدلا من الضمير في {تخيل} ، وهو عائد على الحبال والعصي ، والبدل فيه بدل اشتمال .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون {تخيل} خاليا من الضمير ، ويكون اسم ما لم يسم فاعله أنها تسعى ، وأنث ؛ لتضمن الجملة لفظ التأنيث .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون (أن ) في موضع نصب ؛ على تقدير : تخيل إليه من سحرهم بأنها تسعى ، ويجعل {إليه} أو المصدر في موضع مفعول ما لم يسم فاعله .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {يخيل} ؛ بالياء ؛ فلا ضمير فيه ، واسم ما لم يسم فاعله أنها تسعى .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {تلقف ما صنعوا} ؛ بالرفع ؛ فهو في موضع الحال ، وصاحب الحال يجوز أن يكون الفاعل المضمر الذي في {ألق} ، والتاء التي في {تلقف} [ ص: 337 ] للخطاب ، ويجوز أن يكون حالا من {ما} ، والتاء في {تلقف} للتأنيث ؛ لأن ما في يمينه يعني به : العصا ، فأنث على المعنى ، والحال ههنا مقدرة ؛ لأنها إنما تلقفت حبالهم وعصيهم بعد أن ألقاها .

                                                                                                                                                                                                                                      والجزم على جواب الأمر ، والتشديد والتخفيف فيه ظاهران .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : كيد ساحر ؛ فلأن الكيد في الحقيقة للساحر ، لا للسحر ، ومن قرأ : {كيد سحر} ؛ [فعلى حذف المضاف ] ؛ التقدير : كيد ذي سحر ، أو على أن الكيد أضيف إلى السحر على الاتساع ، من غير تقدير حذف .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز نصب {كيد} بـ {صنعوا} ، على أن تكون (ما ) كافة ، ولا تضمر هاء ، والهاء مضمرة على قراءة الرفع .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز فتح (إن ) على معنى : لأن ما صنعوه كيد سحر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولا يفلح الساحر حيث أتى : {حيث} متعلقة بـ {يفلح} .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 338 ] فاقض ما أنت قاض : التقدير : ما أنت قاضيه ، وليست {ما} ههنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر ؛ لأن تلك توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بالابتداء والخبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إنما تقضي هذه الحياة الدنيا : يجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي وقت هذه الحياة الدنيا ؛ فينتصب انتصاب الظرف ، ويقدر حذف المفعول ، ويجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي أمر هذه الحياة الدنيا ؛ فينتصب انتصاب المفعول ، و {ما} : كافة لـ (إن ) .

                                                                                                                                                                                                                                      ولو جعلت (ما ) في الكلام بمعنى : (الذي ) ، وحذفت الهاء من {تقضي} ، ورفعت {هذه الحياة الدنيا} ؛ لجاز .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وما أكرهتنا عليه من السحر : يجوز أن تكون {ما} معطوفة على (الخطايا ) ، على أن فيه بعدا ؛ لقولهم : أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين ، وليس هذا بقول مكرهين ، ولأن الإكراه ليس بذنب وإن كان قد يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعلمه ، كما قدمناه ، ثم علموه مختارين .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون {ما} في موضع رفع بالابتداء ، ويضمر الخبر ؛ والتقدير :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 339 ] وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن تكون {ما} نافية ، ويتعلق قوله : [ من السحر بـ (الخطايا ) ؛ التقدير : ليغفر لنا خطايانا من السحر ، وما أكرهتنا عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى القولين الأولين يتعلق ] من السحر بـ {أكرهتنا} .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {لا تخف دركا ولا تخشى} ؛ فعلى أنه جواب الأمر ؛ التقدير : إن تضرب لهم طريقا في البحر ؛ لا تخف ، وقوله : ولا تخشى على تقدير : ولا أنت تخشى ، أو يكون مجزوما ، والألف مشبعة من فتحة ؛ لأنها فاصلة ، فيكون كقوله : فأضلونا السبيلا [الأحزاب : 67 ] ، أو يكون على حد قول الشاعر .

                                                                                                                                                                                                                                      [من الطويل ]

                                                                                                                                                                                                                                      .....................     كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

                                                                                                                                                                                                                                      على تقدير حذف الحركة ، كما تحذف حركة الصحيح ، وهذا مذهب الفراء .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : لا تخاف دركا ؛ فهو حال من المخاطب ؛ التقدير : فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا غير خائف ، ولا خاش .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 340 ] ويجوز أن يكون صفة لـ (طريق ) ؛ لأنه معطوف على (يبس ) الذي هو صفة ، ويكون التقدير : لا تخاف فيه ؛ فحذف الراجع من الصفة .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون منقطعا خبر مبتدأ محذوف ؛ تقديره : وأنت لا تخاف .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ : {فاتبعهم فرعون بجنوده} ؛ فالباء في {بجنوده} عدت الفعل إلى المفعول الثاني ؛ لأن (اتبع ) يتعدى إلى مفعول واحد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قطع ؛ فـ (أتبع ) يتعدى إلى مفعولين ؛ فيجوز أن تكون الباء زائدة ، ويجوز أن يكون اقتصر على مفعول واحد ، وقوله : {بجنوده} في موضع الحال ؛ كأنه قال : فأتبعهم سائقا جنوده .

                                                                                                                                                                                                                                      وأضل فرعون قومه وما هدى : استغنى بتعدية {أضل} عن تعدية {هدى} ؛ ومثله : ما ودعك ربك وما قلى [الضحى : 3 ] ، ووجدك ضالا فهدى [الضحى : 7 ] ، ومثله قول الشاعر : [من الطويل ]

                                                                                                                                                                                                                                      بأي كتاب أم بأية سنة     ترى حبهم عارا علي وتحسب ؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 341 ] وقوله : وواعدناكم جانب الطور الأيمن : انتصاب {جانب} على أنه مفعول ثان لـ (واعدنا ) ؛ التقدير : وواعدناكم إتيان جانب الطور الأيمن ، ولا ينتصب على الظرف ؛ لأنه ظرف مكان مخصوص غير مبهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في {فيحل} ، و {من يحلل} ، وفي {بملكنا} .

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية