التفسير:
قوله تعالى: يحلون فيها من أساور من ذهب : (الأساور) جمع (أسورة) ، و (أسورة) : جمع (سوار) ، و (سوار) .
[ ص: 184 ] قطرب: {أساور} : جمع (إسوار) على حذف الياء، والأصل: (أساوير) .
وقوله: من سندس وإستبرق : (السندس) : رقيق الديباج، واحده: (سندسة) ، و (الإستبرق) : الغليظ المحكم منه.
متكئين فيها على الأرائك : وهي السرر في الحجال، الواحدة: (أريكة) ، وقيل: هي الفرش في الحجال.
وقوله: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر.
وروي: أن ورثا مالا، فاقتسما، فأنفق أحدهما نصيبه في طاعة الله تعالى، وكان مؤمنا، واكتسب الآخر بنصيبه الجنتين المذكورتين، وكان كافرا. المضروب بهما المثل كانا أخوين من بني إسرائيل،
وقوله: كلتا الجنتين آتت أكلها : جاء {آتت} ; لأن {كلتا} بمعنى: (كل) ، ويجوز (آتتا) ، و (آتى) على الحمل على المعنى.
ولم تظلم منه شيئا أي: لم تنقص.
وكان له ثمر : قال ابن عباس، يعني: صنوف الأموال. وقتادة:
يعني: الذهب والفضة. مجاهد:
و[(الثمر: جمع (ثمار) ، و (ثمر) ، أو يكون واحدا; كـ (عنق) ، و (الثمر) : [ ص: 185 ] مخفف منه، و (الثمر) : جمع] (ثمرة) .
وقوله: وأعز نفرا أي: رجالا وأنصارا.
وقوله: وهو ظالم لنفسه أي: بكفره.
وقوله إخبارا عن الكافر: وما أظن الساعة قائمة قال ذلك شاكا في البعث، ثم قال: ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ، قياسا على ما أعطيه في الدنيا.
وقوله: أكفرت بالذي خلقك من تراب يعني: خلق أباك.
ثم سواك رجلا أي أكمل خلقك، ولم يجعلك امرأة.
وقوله: لكنا هو الله ربي أي: لكن أنا أقول: هو الله ربي.
وقوله: قلت ما شاء الله أي: ما شاء الله كان، أو نحوه.
وقوله: ويرسل عليها حسبانا من السماء أي: عذابا.
(الحسبان) : الحساب، فالمعنى: عذاب حساب بما قدمت يداك. الزجاج:
(الحسبان) : المرامي، وأصلها: السهام التي يرمى بها [ ص: 186 ] بمجار في طلق واحد. أبو عبيدة:
فتصبح صعيدا زلقا : تقدم القول في (الصعيد) . و (الزلق) : الذي تزل عنه الأقدام، والمعنى: تصبح لا نبات فيها.
وقوله: أو يصبح ماؤها غورا أي: غائرا، والتقدير: ذا غور، فوضع المصدر في موضع اسم الفاعل، للمبالغة في الصفة.
وقوله: فلن تستطيع له طلبا أي: لم يبق له أثر فيطلب.
وأحيط بثمره أي: أهلك ثمره.
فأصبح يقلب كفيه : العرب تستعمل هذا في كل نادم.
على ما أنفق فيها أي: في الجنة.
وقوله: ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا : هذا قوله في الآخرة.
ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله : قيل: من هلاك جنته، وقيل: من العذاب.
[ ص: 187 ] وقوله: هنالك الولاية لله الحق أي: في ذلك الموطن الولاية لله وحده، لا يملكها سواه فحينئذ يؤمنون بالله وحده، ويتبرؤون مما سواه.
وخير عقبا أي: عاقبة.
وقوله: فأصبح هشيما تذروه الرياح : (الهشيم) ما جف وتفتت من النبات، تذروه الرياح : تطيره.
وقوله: والباقيات الصالحات روي عن أنها الطاعات، كالصلاة والصيام، وشبههما، وعنه أيضا: أنها الصلوات الخمس، وعنه أيضا: أنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وروي نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروي نحوه عن ابن عباس: وزاد ولا حول ولا قوة إلا بالله. عثمان،
وخير أملا يعني: ما يؤمل.
وقوله: وترى الأرض بارزة أي قد اجتثت ثمارها، وقلعت جبالها، وهدم بنيانها، فهي ظاهرة، وقيل: معنى {بارزة} : قد أبرز من فيها من الموتى، فالمعنى: ذات بروز، على النسب.
فلم نغادر منهم أحدا أي: لم نترك.
وعرضوا على ربك صفا أي: في صعيد واحد، لا يسترهم شيء.
وقوله: لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة أي: يقال لهم ذلك، ومعناه:
[ ص: 188 ] بعثناكم كما خلقناكم أول مرة.
وقيل: معناه عراة حفاة غرلا، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا يعني: إنكارهم البعث.
ووضع الكتاب يعني: كتاب الخلائق.
ويقولون يا ويلتنا : هذا مستعمل لكل من وقع في هلكة.
وقوله: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها قيل: (الكبيرة) : الشرك، و (الصغيرة) : ما دونه.
وقوله: ولا يظلم ربك أحدا أي: لا يأخذ أحدا إلا بذنوبه.
وقوله: ففسق عن أمر ربه أي: خرج، وتقدم خبر إبليس، وقيل: المعنى: فكان فسقه عن أمر ربه إذ عصاه.
وقوله: وهم لكم عدو أي أعداء.
وقوله: بئس للظالمين بدلا أي: بئس ما استبدلوه من طاعة الله عز وجل بطاعة إبليس.
وقوله: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم أي: لم أحضرهم ذلك، فأستعين بهم فيه، وقيل: المعنى: لم يكونوا موجودين حينئذ.
[ ص: 189 ] وقوله: وما كنت متخذ المضلين عضدا أي أعوانا.
وقوله: وجعلنا بينهم موبقا أي: مهلكا، عن وغيره. ابن عباس
عداوة. الحسن:
أنس بن مالك: قال غيره: يحجز بين أهل النار وبين المؤمنين. (موبق) : واد في جهنم من قيح ودم،
عكرمة: هو نهر من نار يسيل في جهنم، على حافتيه حيات مثل البغال الدهم، إذا ثارت إليهم لتأخذهم، اقتحموا في النار.
أبو عبيدة: {موبقا} موعدا.
ومن قال: معناه: مهلكا، فـ (بين) عنده اسم، والمعنى: وجعلنا تواصلهم مهلكا لهم في الآخرة، وهو على الأقوال الأخر ظرف، [ويجوز إذا جعل معناه عداوة أن يكون اسما].
وقوله: فظنوا أنهم مواقعوها أي: أيقنوا.
وقوله: ولم يجدوا عنها مصرفا أي: معدلا.
وقوله: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا : يريد: الكفار، فهو كقوله: إن الإنسان لظلوم كفار [إبراهيم: 34] وقيل: هو عام.
[ ص: 190 ] وقوله: وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى الآية: أي: ما منعهم من الإيمان إلا طلب إتيان سنة الأولين، وهي معاينة العذاب، وذلك كقولهم: فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم [الأنفال: 32].
أو يأتيهم العذاب قبلا أي فجأة، وقيل: عيانا، وقيل: مقابلة، وقد تقدم القول فيه.
وقوله: وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا : هذا فيمن سبق في علم الله أنه يموت كافرا.
وقوله: لن يجدوا من دونه موئلا قال وغيره: أي ملجأ. ابن عباس،
(الموئل) : المحرز. مجاهد:
المنجى، كقولهم: (لا وألت نفسه) أي لا نجت. أبو عبيدة:
وقوله: وجعلنا لمهلكهم موعدا أي: لإهلاكهم، أو لوقت إهلاكهم، ومن فتح الميم واللام، فالمعنى: لهلاكهم، [فهو مصدر من (هلك) ، مثل: (المضرب) ، وكذلك هو فيمن فتح الميم وكسر اللام، فهو كـ (المرجع) ، كقوله تعالى: إليه مرجعكم [يونس: 4] والمصدر في القراءة الأولى مضاف إلى المفعول، وفي القراءتين الأخريين مضاف إلى الفاعل، لأن (هلك) لا يتعدى، وقد حكي [ ص: 191 ] تعديه، مثل: (رجع ورجعته) ، فيكون المصدر على هذا مضافا إلى مفعول; كالقراءة الأولى].
وقوله: {موعدا} معناه: أجلا عن وغيره. مجاهد،