التفسير :
(فتى موسى ) : هو يوشع بن نون بن إفراييل بن يوسف بن يعقوب عليهم السلام ، ويقال : إنه ابن أخت موسى عليه السلام ، وقيل له : (فتاه ) ، لأنه كان يخدمه .
[ ص: 201 ] ومعنى لا أبرح : لا أزال ، أي : لا أبرح سائرا ، فأضمر الخبر .
و مجمع البحرين في قول : بحر الروم ، [وبحر فارس ، (بحر الروم ) ] : مما يلي الغرب ، (وبحر فارس ) : مما يلي الشرق ، وعد أن يلتقي الخضر هناك . قتادة
وقوله أو أمضي حقبا : (الحقب ) : و (الحقبة ) : زمن من الدهر غير محدود ، وجمع (الحقب ) : (أحقاب ) ، وقيل : (أحقاب ) جمع (حقب ) ، (حقب ) : جمع (حقبة ) .
قال : (الحقب ) : ثمانون سنة ، ابن عمر : الدهر ، مجاهد : سبعون سنة ، ابن عباس : (الحقب ) في لغة قيس : سنة . الفراء
وقوله {نسيا حوتهما : قيل : الذي نسيه يوشع وحده ، فنسب إليهما ، كما قال : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [الرحمن :22 ] ، وإنما يخرج من أحدهما ، ونسب الحوت إليهما ، لأنهما تزوداه ، وقيل : نسي موسى أن يتقدم إلى يوشع في أمر الحوت بشيء ، ونسي يوشع أن يخبره بذهاب الحوت في البحر .
وقوله : فاتخذ سبيله في البحر سربا : قال وغيره : أحيي الحوت ، [ ص: 202 ] فأخذ طريقه في البحر مسلكا ، قال : وصار أثر الحوت في الماء كالحجر ، والضمير للحوت ، فكأنه قال : سرب الحوت في البحر سربا ، وقيل : الضمير ابن عباس لموسى عليه السلام ، والمعنى : واتخذ موسى سبيل الحوت في البحر سربا ، و (السرب ) : المذهب ، والمسلك ، وكان الحوت - فيما روي - سمكة مملوحة .
فلما جاوزا أي : جازوا المكان الذي انسرب فيه الحوت .
وقوله : قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا أي : تعبا ، فتذكر يوشع ، وقد كان نسي أن يخبر موسى بانسراب الحوت في الماء ، فقال : إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت ؛ أي : نسيت انسرابه في البحر ، أنسانيه الشيطان أن أذكره لك .
وقوله : واتخذ سبيله في البحر عجبا أي : اتخذ موسى طريق الحوت في البحر عجبا ، عن ، ابن عباس ، وغيرهما . ومجاهد
وقيل المعنى : واتخذ الحوت سبيله في البحر عجبا .
وقيل : هو جواب من موسى ليوشع حين قال يوشع : واتخذ سبيله في البحر ، فقال موسى : {عجبا} ! أي : أعجبوا عجبا ! فيوقف على هذا على في البحر ، ولا يوقف عليه على ما تقدم .
[ ص: 203 ] وقوله : قال ذلك ما كنا نبغ أي : قال موسى : ذلك ما كنا نطلب ، لأنه جعل له علامة للطريق التي توصله إلى الاجتماع بالخضر .
وقوله : فارتدا على آثارهما قصصا أي : رجعا يقصان الأثر .
يروى : أن موسى ويوشع اتبعا أثر الحوت وقد يبس الماء في ممره فصار طريقا ، فأتيا جزيرة ، فوجدا الخضر قائما يصلي .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : . "سمي الخضر ، لأنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت خضراء "
وقوله : قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ؟ فقال له الخضر : قال إنك لن تستطيع معي صبرا ، بمعنى أنه سيرى شيئا ظاهره منكر ، فلا يصبر عليه .
وقوله : فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها : قلع الخضر منها - فيما ذكره المفسرون- لوحين .
وقوله : لقد جئت شيئا إمرا أي منكرا ، عن ، مجاهد . وقتادة
: داهية عظيمة . أبو عبيدة
: هو الشيء الشديد ، من قولهم : (أمر القوم ) ، إذا كثروا ، واشتد [ ص: 204 ] أمرهم ، وهو الاسم ، والمصدر : الأمر ، بالفتح . الكسائي
وقوله : قال لا تؤاخذني بما نسيت : قال : أي : غفلت ، وعنه أيضا : لم ينس أبي بن كعب موسى ، لكنه من معاريض الكلام .
: المعنى : تركت العهد ، يعني : تركه عهده في ألا يسأله . ابن عباس
وقيل : إنه نسي في الأولى ، فاعتذر ، ولم ينس في الثانية ، فلذلك لم يعتذر .
وقوله : ولا ترهقني من أمري عسرا أي : لا تلحق بي ، من قولهم : (رهقه الشيء ) ، إذا غشيه .
أبو زيد : (أرهقته عسرا ) كلفته ذلك .
: الفراء ولا ترهقني : لا تعجلني .
وقوله : فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله : قيل : قتله ، لأن الله تعالى أعلمه أنه لو بلغ لكان كافرا ، وأرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : نفسا زكية أي : بريئة من الذنوب .
وقوله : لقد جئت شيئا نكرا أي : منكرا ، : النكر أشد من الإمر ، فالمعنى : لقد جئت شيئا أنكر من الأول ، وقال غيره : الإمر أشد من النكر ؛ لأن تغريق جماعة أشد من قتل نفس واحدة . قتادة
وقوله : فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض : أخبر عن الجدار بالإرادة مجازا ، [ ص: 205 ] و (الانقضاض ) : السقوط بسرعة .
وقوله : أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر : تقدم القول في (المسكين ) ، واشتقاقه ، وقيل : لم تكن للمساكين ، إنما كانوا يعملون فيها بالأجرة .
فأردت أن أعيبها أي : ليراها الملك الغاصب ؛ فيتركها ، ثم يعيدون ما قلع منها .
وقوله : وكان وراءهم ملك أي : أمامهم ، عن وغيره ، ومنه : قتادة من ورائه جهنم [الجاثية : 10 ) ، وقيل : كان خلفهم ؛ أي : على طريقهم إذا رجعوا وأصله : مما توارى واستتر .
وقوله : وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين : [أي : فكان كافرا ، وأبواه مؤمنين ، وحذف لدلالة المعنى ] ، وكذلك قرأ فيما روي عنه . ابن عباس
وقوله : فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا : قيل : إنه من قول الخضر ، وقيل : هو إخبار من الله عز وجل عن نفسه ؛ ومعناه في الوجهين : فعلمنا ، وقيل : كرهنا .
[ ص: 206 ] ومعنى يرهقهما طغيانا وكفرا : يلحقهما ذلك ، ويحملهما عليه ، وفي الخبر : أن الغلام كان يفسد في الأرض ، ويمنع منه أبواه ؛ لشرفهما ، فإذا شكي إليهما ؛ حلف إنه ما فعل ، وحلفا على قوله وهما يظنانه صادقا .
وقوله : فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة أي : إسلاما ، عن ، ابن جبير : صلاحا . الفراء
وقوله : وأقرب رحما أي : أبر بوالديه من المقتول ، عن . قتادة
: بدلا منه جارية ، ولد من نسلها سبعون نبيا . ابن عباس
: كانت أمه حاملا ؛ فولدت غلاما مسلما . ابن جبير
وقوله : وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنـز لهما الآية :
قال ، ابن عباس ، وغيرهما : كان الكنز صحف علم ، وقال ومجاهد جعفر بن محمد : (كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه سطران ونصف سطر ، والذي كان مكتوبا فيه : "عجبا للموقن بالرزق كيف يتعب ؟ ! وعجبا للموقن بالحساب كيف يغفل ؟ ! وعجبا للموقن بالموت كيف يفرح ؟ ! " ، وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين [الأنبياء : 47 ] ) .
[ ص: 207 ] وروي عن وغيره من المفسرين قريب من ذلك باختلاف في بعض ألفاظه ، وقيل : كان الكنز لوحين فيهما حكم . الحسن
وقوله : وما فعلته عن أمري : يدل على أنه أوحي به إليه .
وقوله : ويسألونك عن ذي القرنين} : روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل ذكرته في "الكبير " : عقبة بن عامر ["أن ذا القرنين كان شابا من الروم " ، وقيل في سبب تسميته ] : إنه سمي ذا القرنين ؛ لأنه ضرب على قرنه ، فهلك ، ثم أحيي ، ثم ضرب على قرنه الآخر ، فهلك ، قال : لم يكن علي رضي الله عنه ذو القرنين نبيا ، ولا ملكا ، ولكنه كان عبدا صالحا ، وذكر من ضربه على قرنيه ما قدمناه .
وقيل : سمي ذا القرنين ؛ لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ، وقيل : سمي بذلك ؛ لأنه بلغ قرني الشمس ، وقيل : سمي بذلك ؛ لأنه كانت له [ ص: 208 ] ضفيرتان ، وقيل : لأنه بلغ قطري المشرق والمغرب .
وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ابن وهب "أنه كان يعلق سلاحه بقرون الثريا ، وكان له حمار يضع حافره منتهى بصره " .
وكان اسمه الإسكندر ، وقيل : كان اسمه مرزبا بن مرزبة ، وكان من ولد يونان بن يافث بن نوح عليه السلام .
وروي : أنه خرج يطلب نهر الحياة ، وكان على مقدمته الخضر ، فوقع الخضر على نهر الحياة ، ولم يقع عليه ذو القرنين .
وروي عن رضي الله عنه أنه قال : كان ذو القرنين ملكا . عمر بن الخطاب
وقوله : وآتيناه من كل شيء سببا أي : علما ، يتسبب به إلى ما يريد ، عن ، ابن عباس ، وغيرهما . وقتادة
وقوله : فأتبع سببا أي : طريقا بين المشرق والمغرب ، عن ، مجاهد ، وغيرهما . وقتادة
وقوله : وجدها تغرب في عين حمئة أي : ذات حمأة ، عن ، ابن عباس ، وغيرهما . ومجاهد
[ ص: 209 ] قال : في التوراة : أن الشمس تغرب في ماء وطين . كعب الأحبار
؛ فمعناه : حارة ، ويجوز أن يكون الأصل : (حامئة ) ؛ فخففت الهمزة ، فتكون كالأولى ، ويجوز أن تكون حارة ذات حمأة ، فتجتمع فيها القراءتان جميعا . ومن قرأ : {حامية} القراءات
القتبي : يجوز أن تكون العين في البحر ، والشمس تغيب وراءها .
وقوله : قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا : ذا القرنين نبي ، ويجوز أن يكون خوطب بذلك على لسان نبي . استدل قوم بهذا على أن
وخير ذو القرنين بين هذين الحكمين ، كما خير محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [المائدة : 42 ] .
وقيل : المعنى : قلنا : يا محمد ؟ قالوا : يا ذا القرنين ؛ لأن بعده : أما من ظلم فسوف نعذبه ، والعبد لا يخاطب ربه بهذا .
ومعنى {نعذبه} : نعذبه بالقتل ، عن . قتادة
وقوله : ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا يعني : عذاب الآخرة .
[ ص: 210 ] وقوله : وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى : قيل : المعنى : فله جزاء الطاعة ، وقيل : {الحسنى} : لا إله إلا الله ، و (جزاؤها ) : الجنة .
ومن نون {جزاء} ونصبه ؛ فـ {الحسنى} على قراءته يراد بها : الجنة .
وقوله : وسنقول له من أمرنا يسرا أي : قولا جميلا ، وقيل : معروفا ، وقيل : نعلمه في الدنيا ما نيسر له مما يقربه إلى ربه .
وقوله : وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا : قال : إذا طلعت نزلوا في الماء حتى تغرب ، وقيل : هم قوم [من] الزنج ليس في بلادهم جبل ولا بنيان ؛ وإنما يدخلون أسرابا لهم إذا طلعت الشمس . الحسن
وقوله : {كذلك} ؛ أي : كالذين تغرب عليهم الشمس .
وقوله : وقد أحطنا بما لديه خبرا أي : أحطنا بما عند مطلع الشمس علما .
[ ص: 211 ] وقوله : حتى إذا بلغ بين السدين يعني : الجبلين ، قيل : جبلي ، أرمينية وأذربيجان ، ويقال : إن السد في منقطع أرض الترك مما يلي المشرق .
وقوله : وجد من دونهما قوما قيل : من الإنس ، وقيل : أمة صالحة من الجن .
وقوله : قال ما مكني فيه ربي خير أي : ما أعطاني من القوة والملك خير من خرجكم ، ولكن أعينوني بقوة .
وقوله : آتوني زبر الحديد يعني : قطع الحديد ، عن ، ابن عباس . ومجاهد
وقوله : حتى إذا ساوى بين الصدفين أي : بين الجبلين .
وقوله : حتى إذا جعله نارا يعني : أنه أوقد على الحديد حتى صار كالنار .
وقوله : قال آتوني أفرغ عليه قطرا أي : آتوني نحاسا أفرغه عليه ، عن ، ابن عباس ، وغيرهما . ومجاهد
: (القطر ) : الحديد المذاب ، قال : وجعله قوم من الرصاص ، وأصله من (القطر ) ، وكل ذلك إذا أذيب قطر . أبو عبيدة
[ ص: 212 ] وقوله : فما اسطاعوا أن يظهروه أي : ما استطاعوا أن يعلوا عليه ؛ لطوله واملاسه ، وما استطاعوا له نقبا : من أسفله .
ويروى : أن طوله من الجبل إلى الجبل مئة فرسخ ، وارتفاعه في الهواء مد البصر ، وعرضه خمسون فرسخا ، وحشوه الصخور ، وطينه النحاس ، وقد ذكرنا قطعة من أخبار يأجوج ومأجوج في "الكبير " .