التفسير :
معنى قوله : ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أي : بمن لم يعبد العجل ، و (لا ) زائدة .
والقول في قوله : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي حسب ما تقدم في (الأعراف ) [150 ] .
وقوله : إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي يعني : لو لحق به بمن اتبعه ، فيقع لذلك الاختلاف ، ويؤدي إلى سفك الدماء .
وقوله : قال فما خطبك يا سامري أي : ما شأنك ؟ قال بصرت بما لم يبصروا به : قيل : رأى فرس جبريل عليه السلام ، فقبض قبضة من تراب من تحت حافره ، ويقال : إن أم السامري جعلته حين وضعته في غار ؛ خوفا من أن يقتله فرعون ، فجاءه جبريل عليه السلام ، فجعل كف السامري في فم السامري ، فرضع العسل واللبن ، واختلف إليه ، فعرفه من حينئذ ، وقد تقدم خبره في (البقرة ) [51 ] .
وقوله : قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس أي : أن لك أن تقول طول حياتك : لا أمس ، ولا أمس ، وأمر موسى بني إسرائيل ألا يخالطوه ، ولا يكلموه ، وذلك- فيما ذكر- في نسله إلى اليوم .
[ ص: 345 ] وقوله : وإن لك موعدا لن تخلفه يعني : يوم القيامة ، ومن قرأ : {لن تخلفه} ؛ فالمعنى : لا بد أن تأتيه .
وقوله : لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا : قال ابن عباس : حرقه بالنار ، ثم ذراه في البحر ، ومعنى {لننسفنه} : لنطيرنه .
ومن قرأ : {لنحرقنه} ؛ فالمعنى : لنبردنه بالمبرد .
وقوله : وسع كل شيء علما أي : علم كل شيء ، قتادة : المعنى : ملأ علمه كل شيء .
وقوله : يحمل يوم القيامة وزرا} خالدين فيه أي : في جزائه .
وقوله : وساء لهم يوم القيامة حملا أي : وساء الوزر لهم يوم القيامة حملا .
وقوله : ونحشر المجرمين يومئذ زرقا : قيل : عميا ، وقيل : زرق العيون من العطش .
ابن عباس : في يوم القيامة أحوال ؛ ففي حال يكونون عميا ، وفي حال يكونون زرقا .
وقيل : يقومون من قبورهم يبصرون ، ثم يعمون في المحشر .
وقيل : لا يبصرون شيئا إلا جهنم .
وقيل : معنى قوله : {زرقا} : زرق الألوان ؛ لأنهم يبعثون متغيرين .
[ ص: 346 ] يتخافتون بينهم أي يتسارون .
وقوله : إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما يعني : لبثتم في الدنيا ، عن قتادة ؛ فالتقدير : إلا مثل يوم .
وقيل : إنهم من شدة هول المطلع نسوا ما كانوا فيه من نعيم الدنيا ، حتى رأوه كيوم .
وقيل :أرادوا بذلك : لبثهم في القبور في الفترة حين انقطاع العذاب عنهم .
وقيل : أرادوا : ما بين النفختين ؛ وهو أربعون سنة .
ومعنى أمثلهم طريقة : أعدلهم عند نفسه .
وقوله : ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا أي : يزيلها ، وقيل : يجعلها بمنزلة الرمل ، ثم يطيرها بالرياح ، وقيل : يصيرها كالهباء .
وقوله : فيذرها قاعا صفصفا : قال ابن عباس وغيره : هو الذي لا نبات فيه ، وقيل : (القاع ) : مجتمع الماء ، وجمعه : (أقواع ) ، [ و (الصفصف ) : المستوي من الأرض ] ، وقيل : إن (الصفصف ) المكان المستوي كأنه على صف واحد .
[ ص: 347 ] وقوله : لا ترى فيها عوجا ولا أمتا : [قال ابن عباس : {عوجا} : ميلا ، قال : و (الأمت ) : الأثر مثل الشراك ، وعنه أيضا : {عوجا} : واديا ، ولا أمتا : أي : رابية .
قتادة : {عوجا} : أي : صدوعا ، ولا أمتا أي : أكمة .
و (الأمت ) في اللغة : المكان المرتفع ، وقيل : هو أن يكون في الموضع علو وهبوط .
وقوله : يتبعون الداعي لا عوج له} أي : لا معدل عنه .
وقوله : وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا : قال ابن عباس : {وخشعت} : سكنت ، قال : و (الهمس ) : الحس الخفي .
الحسن ، وابن جبير : هو صوت وقع الأقدام .
وقوله : لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن أي : إلا شفاعة من أذن له الرحمن .
وقوله : يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم : [أي : يعلم ما بين أيديهم ] من أمر الساعة ، وما خلفهم من أمر الدنيا ، عن قتادة .
وقيل : ما بين أيدي هؤلاء الذين يتبعون الداعي مما يصيرون إليه من الثواب والعقاب ، {وما خلفهم : ما خلفوه وراءهم في الدنيا .
ولا يحيطون به علما : (الهاء ) لله عز وجل ، وقيل : إنها تعود على {ما} في قوله : ما بين أيديهم .
[ ص: 348 ] الطبري : الضمير في {أيديهم} ، {خلفهم} ، و {يحيطون} : يعود على الملائكة ، أعلم الله تعالى من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها ، ولا ما خلفها .
وقوله : وعنت الوجوه للحي القيوم أي : ذلت ، عن ابن عباس وغيره ، ومنه : (العاني ) : الأسير ، مجاهد : خشعت .
طلق بن حبيب : هو وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود .
وقد خاب من حمل ظلما أي : شركا ، عن قتادة وغيره .
وقوله : فلا يخاف ظلما ولا هضما أي : لا يخاف ظلما بالزيادة في سيئاته ، ولا هضما بالنقصان من حسناته ، عن ابن عباس .
ابن زيد : لا يخاف ظلما بألا يجزى بعمله ، ولا هضما بأن ينقص من حقه .
و (الهضم ) في اللغة : النقصان .
وقوله : أو يحدث لهم ذكرا أي : أو يحدث لهم القرآن ذكرا ينتفعون به ، وقيل : المعنى : يحدث لهم شرفا .
الزجاج : المعنى : أو يحدث لهم الوعيد ذكر العذاب .
وقوله : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه أي : لا تتله قبل أن تتبينه ، عن ابن عباس ، ومجاهد .
[ ص: 349 ] وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعجل بالقرآن من قبل أن يفرغ جبريل عليه السلام مما يأتيه به ؛ مخافة النسيان ، فنزلت الآية ، ومثله : لا تحرك به لسانك لتعجل به [القيامة : 16 ] .
الحسن : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن زوجي لطم وجهي ، فقال : "بينكما القصاص " ، فنزلت الآية : ثم نزل : الرجال قوامون على النساء الآية [النساء : 34 ] .
وقوله : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي أي : فترك ، عن ابن عباس ؛ أي : ترك ما أمر به .
مجاهد ، وابن زيد : عهدنا إليه ، فقلنا له : إن الشيطان عدو لك ولزوجك ، فنسي .
ولم نجد له عزما أي : صبرا ، عن قتادة ، وقيل : عزما على ترك المعصية .
وقوله : وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى أي : لا تعطش ، ولا يصيبك حر الشمس ، عن ابن عباس وغيره .
وقوله : وعصى آدم ربه فغوى أي : خاب .
وقوله : فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} : قال ابن عباس : ضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل به ألا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ، وتلا الآية .
[ ص: 350 ] وقوله : ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا : روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد به : عذاب القبر ، وقاله ابن مسعود وغيره من الصحابة .
الحسن ، وقتادة ، وابن زيد : يعني : الضريع والزقوم .
عكرمة ، والضحاك : الحرام في الدنيا المؤدي إلى النار .
مجاهد : معيشة ضيقة ، وهو أصل (الضنك ) في اللغة .
وقوله : ونحشره يوم القيامة أعمى : قيل : يراد به : عمى البصر ، على ما تقدم .
وقيل : معناه : لا يهتدي لأمر ينتفع به ؛ كما لا يهتدي الأعمى إلى جهات منافع الدنيا .
مجاهد : أعمى عن حجته .
نفطويه : كل عمى مذموم في القرآن إنما يراد به عمى القلب .
وقوله : قال رب لم حشرتني أعمى أي : عن حجتي ، وقد كنت بصيرا أي : عالما بها في الدنيا .
وقوله : قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها أي : تركت العمل بها ، وكذلك اليوم تنسى أي : تترك في النار .
وتقدم القول في معنى أفلم يهد لهم .
[ ص: 351 ] وقوله : يمشون في مساكنهم أي : يمرون بالمواضع التي كانوا يسكنونها .
وقوله : ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى : قال قتادة : فيه تقديم وتأخير ؛ والمعنى : ولولا كلمة سبقت من ربك ، وأجل مسمى ؛ لكان العذاب لزاما .
و (الأجل ) : ما سبق في علم الله عز وجل من تأخير عذاب هذه الأمة .
مجاهد : (الأجل المسمى ) : الدنيا .
ابن عباس : لكان لزاما أي : موتا .
وقوله : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها : قال قتادة : أي : صل قبل طلوع الشمس : الفجر ، وقبل غروبها : العصر ، ومن آناء الليل : المغرب والعشاء ، وأطراف النهار : الظهر .
الضحاك : آناء الليل : الليل كله .
وقيل : إنما قال : وأطراف النهار ؛ لأن له أربعة أطراف : وقوف الشمس للزوال ، والزوال ، وطلوع الشمس ، وغروبها ، فصلاة الظهر في آخر طرف النهار الأول وأول طرفه الثاني ، وقوله : ومن آناء الليل : المغرب والعشاء ، و قبل طلوع الشمس : الصبح : و وقبل غروبها : العصر .
وقيل : إنما جمع أطراف النهار- وهو تثنية- كما قال : صغت قلوبكما [التحريم : 4 ] .
وقوله : ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي : أشكالا ، مأخوذ من [ ص: 352 ] المزاوجة في الأشياء ؛ وهي المشاكلة ، فهم أشكال في الباطل .
وقوله : زهرة الحياة الدنيا أي : زينتها ، عن قتادة .
وقوله : لنفتنهم فيه أي : لنختبرهم .
قال أبو رافع : نزلت هذه الآية بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من يهودي طعاما ، فأبى أن يسلفه إلا برهن ؛ فحزن لذلك .
وقوله : وأمر أهلك بالصلاة أي : بالدوام عليها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضيق أو شدة ؛ أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية .
وقيل : معنى وأمر أهلك أي : أهل دينك .
وقوله : أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى يعني : التوراة والإنجيل ، عن مجاهد ، وقيل : يعني : أخبار من تقدم ممن لم يؤمن بالآيات ؛ والمعنى : ما يؤمنهم من العذاب إن جاءتهم آية فلم يؤمنوا بها ؟ [ ص: 353 ] وقوله : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله أي : من قبل القرآن ، وقيل : من قبل النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى أي : من أصحاب الصراط المستقيم والهدى ؟ والمعنى : فستعلمون أنحن أصحاب الدين المستقيم أم أنتم ؟


