الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد : معنى آتينا إبراهيم رشده من قبل : هديناه صغيرا ، وقيل : {رشده} : النبوة ، وقيل : معنى من قبل : من قبل موسى وهارون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} يعني : الأصنام .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين أي : أمحق أنت فيما تقول أم مازح ؟ وقوله : وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين : قيل : إنه قال هذا سرا ، ولم يسمعه إلا الذي أفشاه عليه إذ قال : سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فجعلهم جذاذا أي : حطاما ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : قطعا ؛ من قولهم : (جذذت الشيء ) ؛ إذا قطعته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إلا كبيرا لهم : قال السدي : ترك الصنم الأكبر ، وعلق [ ص: 385 ] الفأس التي كسر الأصنام بها في عنقه ؛ ليحتج به عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : كان يوم عيد لهم ، وتخلف بعدهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لعلهم إليه يرجعون : قيل : المعنى : لعلهم يرجعون إلى إبراهيم إذا قامت له الحجة عليهم ، وقيل : لعلهم إذا رجعوا ونظروا إلى الأصنام ؛ علموا أنها مما لا ينبغي أن تعبد .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون : قيل : المعنى : لعلهم يشهدون عليه بما شهد به ذلك الرجل ، وقيل : المعنى : حيث يرونه ، وقيل : لعلهم يشهدون عقوبته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قال بل فعله كبيرهم هذا يعني : كسرها غضبا إذ عبدتموها معه ، ومعنى قوله : بل فعله كبيرهم هذا : على اعتقادكم وزعمكم أنها تضر وتنفع .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي : في سؤالكم إبراهيم وآلهتكم حاضرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ثم نكسوا على رءوسهم أي : انقطعت حجتهم ؛ كأنهم طأطؤوا رؤوسهم استحياء .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 386 ] ابن عباس : رجعوا إلى أمرهم الأول من الشرك بعد المعرفة ؛ والمعنى : ثم نكسوا على رؤوسهم ؛ فقالوا لإبراهيم : {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ فحذف القول ، فقال لهم إبراهيم : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ؟ ! وتقدم القول في : {أف} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم : يروى : أن الذي أشار عليهم بذلك رجل من أكراد فارس ؛ أي : أعراب فارس ، فخسف الله به الأرض .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في الخبر : أن نمرود بنى صرحا طوله ثمانون ذراعا ، وعرضه أربعون ذراعا ، وأوقد فيه النيران ، وقذف بإبراهيم بالمنجنيق في النار ، ثم أشرف نمرود على النار ، فرأى فيها جماعة يمرون ويجيئون ، وهم الملائكة فنادى إبراهيم ، فأجابه ، وخرج من النار وقد زاده الله تعالى نورا وجمالا .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاء في الخبر : أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار ؛ قال : (لا إله إلا أنت ، سبحانك ! رب العالمين ، لك الملك ، ولك الحمد ، لا شريك لك ، اللهم ؛ أنت الواحد في السماء ، الواحد في الأرض ، ليس في الأرض من يعبدك غيري ، [ ص: 387 ] حسبي الله ، ونعم الوكيل .

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى : أن النار لم تحرق إلا وثاقه ، وأنه لم ينتفع ذلك اليوم أحد في الأرض بنار .

                                                                                                                                                                                                                                      قال علي رضي الله عنه : لولا أن الله تعالى قال : كوني بردا وسلاما على إبراهيم ؛ لقتله بردها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين : قال قتادة : كانا بالعراق ، فنجيا إلى الشام ، وقال ابن عباس : إلى مكة ، وقيل : إلى مصر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة أي : زيادة ؛ لأنه دعا بإسحاق ، فزيد يعقوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم : معنى {نفشت} : أفسدت بالليل ، لا يقال ذلك إلا في الليل خاصة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : كان حكم داود أن قضى بالغنم لأصحاب الحرث لما رأى ثمن الحرث موازيا لثمن الغنم ، وكان حكم سليمان أن تدفع الغنم إلى أرباب الحرث ، فيكون لهم سمنها ، وألبانها ، وأولادها ، ويزرع أرباب الغنم لأهل الحرث مثل ما أفسدته الغنم ، فإذا كان مثله يوم أفسد ؛ دفعوا إلى أهل الحرث حرثهم ، وأخذوا غنمهم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 388 ] قال بعض العلماء : حكم داود بحكمه بوحي ، ثم نسخه الله عز وجل بحكم سليمان بوحي أيضا ؛ لأنهما كانا نبيين .

                                                                                                                                                                                                                                      واستدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الحق قد يكون في وجهين متضادين ، وأنكر ذلك أكثرهم ؛ لأن الله عز وجل قد نبه على أنه فهم القضية سليمان ، ولأنه نسخ حكم داود ، كما قدمنا ، وقد يحمل قول من جعل الحق في المتضادين على أن الذي لم يصب وجه الحكم إنما كان حكمه حقا من جهة أنه اجتهد ، ومن اجتهد فأخطأ ؛ فمصيب ؛ أي : مصيب في اتباع ما أمر به من الاجتهاد ؛ فصار اجتهاده حقا وإن لم يصب وجه الحكم .

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير المنصوب في {ففهمناها} : للقضية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير : قيل : إن الطير داخلة مع الجبال في التسبيح ، وقيل : في التسخير لا غير ، [وهو أشبه بما قبله من تسخير الجبال ، وما بعده من تسخير الريح ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {يسبحن} : يصلين ، وقيل : يسبحن معه إذا سبح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : {وكنا فاعلين أي : فاعلين ما نريد ، وقيل : المعنى : كنا قضينا أن نفعل به ذلك في أم الكتاب ، وقيل : وكنا فاعلين للأنبياء مثل هذه الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 389 ] وقوله : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم : (اللبوس ) : الدروع ، في قول قتادة ، و (اللبوس ) في كلام العرب : السلاح كلها ، و (البأس ) : شدة القتال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} يعني : الشام ، يروى : أنها تجري به وبأصحابه إلى حيث شاء ، ثم ترده إلى الشام .

                                                                                                                                                                                                                                      و (العاصفة ) : شديدة الحركة ، وقال في موضع آخر : تجري بأمره رخاء حيث أصاب [ص : 36 ] : و (الرخاء ) : اللينة ؛ ومعنى ذلك : أنها كانت تشتد إذا احتاج إلى شدتها ، وتلين إذا احتاج إلى لينها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال وهب : كان سليمان إذا خرج من مجلسه ؛ عكفت عليه الطير ، وقام له الجن والإنس ، حتى يجلس على سريره ، وكان إذا أراد غزوا ؛ أمر بخشب ، فمدت ، ورفع عليها الناس ، والدواب ، وآلة الحرب ، ثم أمر العاصف ، فأقلت ذلك ، ثم أمر الرخاء ، فمرت به شهرا في رواحه ، وشهرا في غدوه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك : قال الفراء : معنى دون ذلك : سوى ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 390 ] وقيل : إنه يراد به : المحاريب ، والتماثيل ، وغير ذلك مما يسخرهم فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وكنا لهم حافظين أي : لأعمالهم ، الفراء : حافظين لهم من أن يفسدوا أعمالهم ، وقيل : حافظين من أن يهربوا ، أو يمتنعوا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية