التفسير :
قال : معنى مجاهد آتينا إبراهيم رشده من قبل : هديناه صغيرا ، وقيل : {رشده} : النبوة ، وقيل : معنى من قبل : من قبل موسى وهارون .
وقوله : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} يعني : الأصنام .
وقوله : قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين أي : أمحق أنت فيما تقول أم مازح ؟ وقوله : وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين : قيل : إنه قال هذا سرا ، ولم يسمعه إلا الذي أفشاه عليه إذ قال : سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} .
وقوله : فجعلهم جذاذا أي : حطاما ، عن . ابن عباس
قتادة : قطعا ؛ من قولهم : (جذذت الشيء ) ؛ إذا قطعته .
وقوله : إلا كبيرا لهم : قال : ترك الصنم الأكبر ، وعلق [ ص: 385 ] الفأس التي كسر الأصنام بها في عنقه ؛ ليحتج به عليهم . السدي
: كان يوم عيد لهم ، وتخلف بعدهم . الحسن
وقوله : لعلهم إليه يرجعون : قيل : المعنى : لعلهم يرجعون إلى إبراهيم إذا قامت له الحجة عليهم ، وقيل : لعلهم إذا رجعوا ونظروا إلى الأصنام ؛ علموا أنها مما لا ينبغي أن تعبد .
قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون : قيل : المعنى : لعلهم يشهدون عليه بما شهد به ذلك الرجل ، وقيل : المعنى : حيث يرونه ، وقيل : لعلهم يشهدون عقوبته .
وقوله : قال بل فعله كبيرهم هذا يعني : كسرها غضبا إذ عبدتموها معه ، ومعنى قوله : بل فعله كبيرهم هذا : على اعتقادكم وزعمكم أنها تضر وتنفع .
وقوله : فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي : في سؤالكم إبراهيم وآلهتكم حاضرة .
وقوله : ثم نكسوا على رءوسهم أي : انقطعت حجتهم ؛ كأنهم طأطؤوا رؤوسهم استحياء .
[ ص: 386 ] : رجعوا إلى أمرهم الأول من الشرك بعد المعرفة ؛ والمعنى : ثم نكسوا على رؤوسهم ؛ فقالوا لإبراهيم : ابن عباس {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ؛ فحذف القول ، فقال لهم إبراهيم : أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم ؟ ! وتقدم القول في : {أف} .
وقوله : قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم : يروى : أن الذي أشار عليهم بذلك رجل من أكراد فارس ؛ أي : أعراب فارس ، فخسف الله به الأرض .
وجاء في الخبر : أن نمرود بنى صرحا طوله ثمانون ذراعا ، وعرضه أربعون ذراعا ، وأوقد فيه النيران ، وقذف بإبراهيم بالمنجنيق في النار ، ثم أشرف نمرود على النار ، فرأى فيها جماعة يمرون ويجيئون ، وهم الملائكة فنادى إبراهيم ، فأجابه ، وخرج من النار وقد زاده الله تعالى نورا وجمالا .
وجاء في الخبر : أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار ؛ قال : (لا إله إلا أنت ، سبحانك ! رب العالمين ، لك الملك ، ولك الحمد ، لا شريك لك ، اللهم ؛ أنت الواحد في السماء ، الواحد في الأرض ، ليس في الأرض من يعبدك غيري ، [ ص: 387 ] حسبي الله ، ونعم الوكيل .
ويروى : أن النار لم تحرق إلا وثاقه ، وأنه لم ينتفع ذلك اليوم أحد في الأرض بنار .
قال : لولا أن الله تعالى قال : علي رضي الله عنه كوني بردا وسلاما على إبراهيم ؛ لقتله بردها .
وقوله : ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين : قال : كانا قتادة بالعراق ، فنجيا إلى الشام ، وقال : إلى ابن عباس مكة ، وقيل : إلى مصر .
وقوله : ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة أي : زيادة ؛ لأنه دعا بإسحاق ، فزيد يعقوب .
وقوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم : معنى {نفشت} : أفسدت بالليل ، لا يقال ذلك إلا في الليل خاصة .
قال : كان حكم ابن عباس داود أن قضى بالغنم لأصحاب الحرث لما رأى ثمن الحرث موازيا لثمن الغنم ، وكان حكم سليمان أن تدفع الغنم إلى أرباب الحرث ، فيكون لهم سمنها ، وألبانها ، وأولادها ، ويزرع أرباب الغنم لأهل الحرث مثل ما أفسدته الغنم ، فإذا كان مثله يوم أفسد ؛ دفعوا إلى أهل الحرث حرثهم ، وأخذوا غنمهم .
[ ص: 388 ] قال بعض العلماء : حكم داود بحكمه بوحي ، ثم نسخه الله عز وجل بحكم سليمان بوحي أيضا ؛ لأنهما كانا نبيين .
واستدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الحق قد يكون في وجهين متضادين ، وأنكر ذلك أكثرهم ؛ لأن الله عز وجل قد نبه على أنه فهم القضية سليمان ، ولأنه نسخ حكم داود ، كما قدمنا ، وقد يحمل قول من جعل الحق في المتضادين على أن الذي لم يصب وجه الحكم إنما كان حكمه حقا من جهة أنه اجتهد ، ؛ أي : مصيب في اتباع ما أمر به من الاجتهاد ؛ فصار اجتهاده حقا وإن لم يصب وجه الحكم . ومن اجتهد فأخطأ ؛ فمصيب
والضمير المنصوب في {ففهمناها} : للقضية .
وقوله : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير : قيل : إن ، وقيل : في التسخير لا غير ، [وهو أشبه بما قبله من تسخير الجبال ، وما بعده من تسخير الريح ] . الطير داخلة مع الجبال في التسبيح
ومعنى {يسبحن} : يصلين ، وقيل : يسبحن معه إذا سبح .
وقوله : {وكنا فاعلين أي : فاعلين ما نريد ، وقيل : المعنى : كنا قضينا أن نفعل به ذلك في أم الكتاب ، وقيل : وكنا فاعلين للأنبياء مثل هذه الآيات .
[ ص: 389 ] وقوله : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم : (اللبوس ) : الدروع ، في قول ، و (اللبوس ) في كلام العرب : السلاح كلها ، و (البأس ) : شدة القتال . قتادة
وقوله : ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها} يعني : الشام ، يروى : أنها تجري به وبأصحابه إلى حيث شاء ، ثم ترده إلى الشام .
و (العاصفة ) : شديدة الحركة ، وقال في موضع آخر : تجري بأمره رخاء حيث أصاب [ص : 36 ] : و (الرخاء ) : اللينة ؛ ومعنى ذلك : أنها كانت تشتد إذا احتاج إلى شدتها ، وتلين إذا احتاج إلى لينها .
قال وهب : كان سليمان إذا خرج من مجلسه ؛ عكفت عليه الطير ، وقام له الجن والإنس ، حتى يجلس على سريره ، وكان إذا أراد غزوا ؛ أمر بخشب ، فمدت ، ورفع عليها الناس ، والدواب ، وآلة الحرب ، ثم أمر العاصف ، فأقلت ذلك ، ثم أمر الرخاء ، فمرت به شهرا في رواحه ، وشهرا في غدوه .
وقوله : ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك : قال : معنى الفراء دون ذلك : سوى ذلك .
[ ص: 390 ] وقيل : إنه يراد به : المحاريب ، والتماثيل ، وغير ذلك مما يسخرهم فيه .
وقوله : وكنا لهم حافظين أي : لأعمالهم ، الفراء : حافظين لهم من أن يفسدوا أعمالهم ، وقيل : حافظين من أن يهربوا ، أو يمتنعوا .