التفسير:
روي: أن أيوب عليه السلام كان ذا مال عظيم، وأنه دخل مع قومه على جبار عظيم، فخاطبوه في أمر، فجعل أيوب يلين له; خوفا على زرع كان لأيوب; فامتحنه الله ـ تعالى ـ بذهاب ماله، وأهله، وبالضر في جسمه، حتى تناثر لحمه، وتدود جسمه، حتى أخرجه أهل قريته إلى خارج القرية، وكانت امرأته تخدمه.
[ ص: 395 ] قال مكث بذلك تسع سنين، وستة أشهر، فلما أراد الله ـ تعالى ـ أن يفرج عنه; قال له: الحسن: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب [ص: 42]، فيه شفاؤك، وقد وهبت لك أهلك وولدك، ومثلهم معهم، وعمرك، ومثله معه، فركض برجله، فانفجرت له عين، فدخلها، فاغتسل فيها، فذهب ما كان به.
قال ورد الله عليه كل أهل وولد ومال ذهب له، وزاده مثل ذلك. ابن مسعود:
وقال لم يرد عليه من هلك من أهله، ولكن وعده أن يؤتيه إياهم في الآخرة. ابن عباس:
وقال خير أن يرد عليه أهله في الدنيا، ومثلهم معهم، أو يعطى مثلهم في الدنيا، ويردوا عليه في الآخرة; فاختار أن يعطى مثلهم في الدنيا، ويردوا عليه في الآخرة. مجاهد:
وفي الخبر: أن الله ـ تعالى ـ رد عليه أهله، ومثلهم معهم، وأمطر عليه فراشا من ذهب; فملأ كل ما أراد، وجعل يجمع في ثيابه، فأوحى الله إليه: أما يكفيك ما جمعت حتى تجمع في قميصك؟ فقال: يا رب; ومن يشبع من خيرك؟ وذا الكفل : قال وقوله تعالى: هو نبي، وقال الحسن: أبو موسى [ ص: 396 ] الأشعري، هو رجل صالح، وليس بنبي. ومجاهد:
وقيل: سمي (ذا الكفل) ; لأن الله ـ تعالى ـ تكفل له في عمله وسعيه بضعف عمل غيره من الأنبياء الذين كانوا في زمانه، وقيل: إن اليسع استخلفه، وتكفل له بأن يصوم النهار، ويقوم الليل.
وقوله تعالى: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر : (ذو النون) : هو يونس النبي عليه السلام، وقد قدمنا خبره.
ومعنى قوله: مغاضبا} أي: مغاضبا لقومه، عن ابن عباس، والضحاك.
وقال الحسن، وغيرهما: مغاضبا لربه، واختاره والشعبي، الطبري.
قال أمره الله بالمسير إلى قومه، فسأل أن ينظر; ليتأهب، فأعجله الله ـ عز وجل ـ حتى سأل أن يأخذ نعلا يلبسها; فلم ينظر، وكان في خلقه ضيق; فخرج مغاضبا لربه. الحسن:
وقيل: المعنى: خرج مغاضبا من أجل ربه; أي: غضب على قومه من أجل كفرهم بربهم، وهذا قول حسن.
[ ص: 397 ] خرج مغاضبا لبعض الملوك. الأخفش:
وقوله: فظن أن لن نقدر عليه أي فظن أن لن نضيق عليه، عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما.
الآية على تقدير الاستفهام; والمعنى: أفظن أن لن نقدر عليه؟ ابن زيد: المعنى: فظن أن لن نقضي عليه بالعقوبة. قتادة:
وقال استزله الشيطان حتى ظن أن الله ـ تعالى ـ لا يقدر عليه، وهذا قول مرغوب عنه، لا يصح. ابن جبير:
وقوله: فنادى في الظلمات يعني: ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، عن ابن جبير وغيره، وروي: أن الحوت الذي ابتلعه ابتلعه حوت آخر.
وقوله: وزكريا إذ نادى ربه : تقدم ذكر خبر زكريا ودعوته.
وقوله: وأصلحنا له زوجه : قيل: إنها كانت عاقرا; فجعلت ولودا، عن قتادة.
وقال كانت سيئة الخلق، طويلة اللسان، فأصلحت له. عطاء:
وقوله: إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا أي: رغبا في رحمة الله، ورهبا من عذابه، عن قتادة.
[ ص: 398 ] خصيف : (الرغب) : رفع بطون الكفين نحو المنكبين، و(الرهب) : جعل بطونهما إلى الأرض مع رفعهما.
وقوله: وكانوا لنا خاشعين أي: متواضعين.
والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا يعني: مريم.
وجعلناها وابنها آية للعالمين : جعلا آية واحدة; لأن الآية لها به، وله بها.
وقوله: إن هذه أمتكم أمة واحدة أي: دينكم دين واحد، عن ابن عباس، وغيرهما. ومجاهد،
وقوله: وأنا ربكم فاعبدون أي: أخلصوا لي العبادة، عن قتادة.
وقوله: وتقطعوا أمرهم بينهم أي: تفرقوا وكان دينهم واحدا.
وقوله: فلا كفران لسعيه أي: فلا يجحد عمله.
وقوله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون : قال المعنى: واجب عليهم أنهم لا يتوبون; والتقدير على هذا: أردنا إهلاكها. ابن عباس:
وقيل: إن {لا} صلة; والتقدير: حرام عليهم أنهم يرجعون، قاله أبو عبيد; فمعنى {يرجعون} على هذا: يرجعون إلى الدنيا.
[ ص: 399 ] وقيل: المعنى: وحرام على قرية أرادنا إهلاكها أن يتقبل منهم عمل; لأنهم لا يرجعون; أي: لا يتوبون، قاله الزجاج.
وتقدم خبر يأجوج ومأجوج.
وقوله: وهم من كل حدب ينسلون : قال يعني: يأجوج ومأجوج. ابن مسعود:
يعني: الناس، يحشرون إلى أرض الموقف يوم القيامة. مجاهد:
و(الحدب) : الارتفاع من الأرض، و(النسول) : الحركة بإسراع; كنسلان الذئب، وقيل: هو الإسراع وتقارب الخطو.
وقوله: واقترب الوعد الحق : الواو هنا مقحمة، وقوله: {اقترب} جواب {إذا} .
هذا خطأ، والجواب: الزجاج: يا ويلنا ; بمعنى: قالوا: يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا .
[ ص: 400 ] واختار أن يكون الجواب: الكسائي فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا .
وقوله: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون : هذا مما لفظه عام، ومعناه الخصوص، وتخصيصه- في قول بقوله تعالى: ابن عباس- إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون .
قال لما أنزل الله تعالى: ابن عباس: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ; قالوا: أليس قد عبد عزير، والمسيح، والملائكة، وأنت تقول: إنهم لصالحون؟ فأنزل الله تعالى: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون .
وقيل: إن قائل ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو ابن الزبعرى.
قال قطرب: قوله: وما تعبدون من دون الله : يدل على أن المراد: الأصنام; لأنه لم يقل: ومن تعبدون.
ومعنى حصب جهنم في قول ابن عباس: وقودها.
قال الضحاك: يرمون فيها كما يرمى بالحصباء، وكذلك (الحصب) في [ ص: 401 ] اللغة: هو اسم الشيء المرمي به من حطب وغيره.
مجاهد، وعكرمة: (حصبها) : حطبها، وهو راجع إلى تقدم.
وقوله: لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون : تقدم ذكر (الزفير) .
قال يجعل المخلدون في النار في توابيت من حديد; فما يرى أحدهم أنه يعذب في النار غيره، وتلا هذه الآية. ابن مسعود:
وقوله في صفة الذين سبقت لهم الحسنى: لا يسمعون حسيسها : قيل: إن ذلك بعد استقرارهم في الجنة; لأنه قد روي في الخبر: أن جهنم تزفر زفرة، فلا يبقى ملك مقرب إلا جثا على ركبتيه; خوفا منها.
وقوله: لا يحزنهم الفزع الأكبر : قال ابن جريج: هو إذا أطبقت النار على أهلها، وذبح الموت بين الجنة والنار.
الحسن: هو وقت يؤمر بالعبد إلى النار.
[ ص: 402 ] وقوله: يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب : قال ابن عباس، أي: كطي الصحيفة على ما فيها; فاللام بمعنى: (على) . ومجاهد:
وعن أيضا: {السجل} : كاتب كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم. ابن عباس
ابن عمر، والسدي: {السجل} : ملك يكتب أعمال العباد.
وقوله: كما بدأنا أول خلق نعيده يعني: حفاة عراة غرلا; كما بدئوا في البطون.
المعنى: نهلك كل شيء كما كان أول مرة، وقيل: هو خلق السماء مرة أخرى بعد طيها وزوالها. ابن عباس:
وقوله: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر الآية: قال {الزبور} : التوراة، والإنجيل، والقرآن، و {الذكر} : الذي في السماء. ابن جبير:
{الزبور} : زبور داود، و {الذكر} : التوراة. الشعبي:
مجاهد، {الزبور} : [كتب الأنبياء عليهم السلام، و {الذكر} : الذي عند الله من السماء. وابن زيد:
{الزبور} ]: كتب الأنبياء بعد التوراة، و {الذكر} : التوراة. ابن عباس:
[ ص: 403 ] وقوله: أن الأرض يرثها عبادي الصالحون يعني: أرض الجنة، عن ابن عباس، وغيرهما، وعن ومجاهد، أيضا: أنها الأرض المقدسة، وعنه أيضا: أنها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة ابن عباس محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إن المراد بذلك: بنو إسرائيل; بدليل قوله: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها [الأعراف: 137].
وأكثر المفسرين على أن المراد بـ (العباد الصالحين) : أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين : قال أبو هريرة، هم أصحاب الصلوات الخمس. والثوري:
معنى {عابدين} : عالمين. ابن عباس:
وقوله: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين يعني: المؤمنين والكافرين; لأن الكافر قد عوفي بدعوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما أصاب الأمم السالفة من الخسف والعذاب.
(العالمون) : من آمن به خاصة. ابن زيد:
وقوله: فقل آذنتكم على سواء : قيل: معناه: سويت بينكم في الإيذان، لم أظهر أحدا منكم على شيء كتمته عن غيره.
قتادة: على سواء : على مهل.
[ ص: 404 ] وقوله: وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون : قيل: يعني: قيام الساعة، وقيل: يعني: ظهور النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عليهم، وفتح مكة.
وقال زيد بن أسلم: بلغنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى في منامه أن بني أمية يلون الناس، فخرج الحكم من عنده، فأخبر بني أمية بذلك; فقالوا له: ارجع، فسله: متى يكون ذلك؟ فأنزل الله تعالى: وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون .
وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين : يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم ذلك.
وقوله: قال رب احكم بالحق : قال الصفة ههنا أقيمت مقام الموصوف; والتقدير: رب احكم بحكمك الحق. أبو عبيدة:
وقوله: المستعان على ما تصفون : قال المعنى: على ما تكذبون. قتادة: