وقوله: ليس على الأعمى حرج إلى قوله: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا : قالت رضى الله عنها: كان المسلمون يوعبون في النفير. عائشة
[ ص: 563 ] -تعني: يخرجون بأجمعهم - وكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضمنائهم، ويقولون لهم: إن احتجتم فكلوا، فكانوا يقولون: إنما قالوا ذلك لنا عن غير طيب نفس; فنزلت الآية; [فالمعنى على هذا: ليس عليهم في الأكل حرج، فالآية على هذا محكمة.
لما نزلت: ابن عباس: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء:29]; كف الناس عن أن يأكل بعضهم عند بعض; فنزلت الآية].
وقال في قوله: أو ما ملكتم مفاتحه : هو الرجل يوكل الرجل بضيعته، فرخص الله ـ تعالى ـ له في أن يأكل من الطعام والتمر، ويشرب من اللبن.
[ ص: 564 ] وقيل: كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده; فنزل: ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ، قال عطاء بن يزيد الليثي.
وعنه أيضا قال: كان الأعمى يتحرج أن يأكل [طعام غيره; لجعله يده في غير موضعها، وكان الأعرج يتحرج أن يأكل] مع الناس; لاتساعه في الموضع، والمريض; لرائحته، فأباح الله ـ تعالى ـ لهم الأكل مع غيرهم.
كان أهل المدينة لا يخالطهم في الطعام أعمى، ولا أعرج ولا مريض; تقززا. الضحاك:
وقيل: كانوا يتحرجون [عن] ذلك; لتقصير أصحاب هذه الآفات عن أكل الأصحاء; فنزلت الآية، فالآية على هذين القولين نسخ لفعلهم.
كان الرجل يمضي بالأعمى والأعرج والمريض إلى بيت أبيه، أو غيره من أقربائه، فيتحرج من ذلك، ويقول: هو بيت غيره، فنزلت الآية. مجاهد:
[ ص: 565 ] عبد الرحمن بن زيد: قوله: ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله: أو صديقكم : منسوخ، قال: وكان الرجل يأتي البيت قبل أن تكون الأغلاق وهو جائع، فيأكل، ثم صارت الأغلاق، فلا يحل لأحد أن يأكل من بيت أحد إلا بإذنه..
ومن قال: إن الآية منسوخة; فمنهم من قال: نسخها: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء:29]، وقوله: لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه [الأحزاب:53]، وقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس".
ومنهم من قال: نسخها قوله: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها [النور: 27]، وإذا منعوا الدخول بغير استئذان; كان الأكل أولى بأن يمنع إلا بإذن.
لم يذكر (الأبناء) في هذه الآية; لأن بيوتهم بيوت الآباء، وليس له أن يأخذ ماله. فللرجل أن يأكل من بيت ولده بالمعروف،
[ ص: 566 ] وقوله: أو ما ملكتم مفاتحه : قيل: معناه: ما دفعت إليكم مفاتحه، على ما تقدم، وقال يعني: العبيد، وقيل: الزمنى، وقيل: المراد به: متاع الرجل نفسه; لأنه الذي يملك مفاتحه. ابن عباس:
وقوله: أو صديقكم : قال قتادة: لا بأس أن تأكل من بيت صديقك وإن لم يأذن لك، وهذا إذا كان يعلم أنه لا يمنعه.
وقوله: فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم : قال هو المسجد، إذا دخلت فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم; الحسن: وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [الإسراء:80].
وروي عن جماعة من المفسرين الأمر باستعمال ذلك في كل بيت لا أحد فيه.
وقوله: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه : قال هذا في الغزو، ويوم الجمعة; يعني: أن على من حدث عليه رعاف ونحوه أن يستأذن الإمام. مجاهد:
المعنى: إذا نابهم أمر في الحرب ونحوها; استأذنوه قبل أن يذهبوا، وروي: أن هذا نزل في حفر الخندق، حين جاءت ابن جريج: قريش وقائدها أبو سفيان، وغطفان وقائدها عيينة بن حصن، فضرب النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ الخندق على المدينة، وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة، فكان المنافقون يتسللون لواذا من العمل، ويعتذرون بأعذار كاذبة.
[ ص: 567 ] وقوله: {لواذا} : مصدر(لاوذ يلاوذ) ; إذا حاد وتنحى في سترة.
معنى قوله: {لواذا} : خلافا، وكان المنافقون يتسللون لواذا من العمل. مجاهد:
وروي أيضا: أنها رضى الله عنه، وكان استأذن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ في العمرة، فأذن له، وقال: "يا عمر بن الخطاب لا تنسنا في صالح دعائك". أبا حفص; نزلت في
وقال في قوله: قتادة فأذن لمن شئت منهم : هي منسوخة بقوله: عفا الله عنك لم أذنت لهم الآية [التوبة:43].
وقوله: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا : قال المعنى: قولوا: يا رسول الله; في رفق ولين، ولا تقولوا: يا مجاهد: محمد; بتجهم.
المعنى: دعوة الرسول عليكم واجبة، فاحذروها; أي: لا تتعرضوا لسخطه; فيدعو عليكم. ابن عباس:
أمرهم أن يشرفوه، ويفخموه. قتادة:
وقوله: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم : هذا إعلام من الله ـ تعالى ـ بوجوب اتباع أوامر نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم القول في مثله.
وقوله: عن أمره : معناه عند يخالفون أمره; و {عن} : زائدة، ولا يرى ذلك أبي عبيدة: الخليل وسيبويه.
وقيل: لما كان سبب خلافهم عن أن يأمرهم; صار خلافهم عن أمره.
[ ص: 568 ] المعنى: فليحذر الذين يولون عن أمره، ويدبرون عنه معرضين. الطبري:
وقوله: أن تصيبهم فتنة : قيل: عذاب في الدنيا، وقيل: يطبع على قلوبهم; فلا يؤمنون، ويظهرون الكفر بألسنتهم.
أو يصيبهم عذاب أليم : في الآخرة.
وقوله: قد يعلم ما أنتم عليه أي: قد علمه، فهو يجازيكم به.