التفسير:
المراد بقوله: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا : جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل من خوطب بالكتاب؛ فقد أورثه، وقال قتادة: {الكتاب}: شهادة أن لا إله إلا الله.
واختلف أهل التأويل في الثلاثة الأصناف المذكورة؛ فقال بعضهم: كلها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والضمير في {يدخلونها} يعود على الأصناف الثلاثة، وروي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وغيرهما، ورواه أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك: أنه لما فرغ من ذكر مراتب أهل الجنة ومنازلهم؛ ذكر أهل النار، فقال: والذين كفروا لهم نار جهنم .
[ ص: 372 ] وذهب بعضهم إلى أن (الظالم لنفسه): الكافر، روي ذلك عن ابن عباس باختلاف عنه، ومجاهد، وغيرهما، قال مجاهد: (الظالم لنفسه): أصحاب المشأمة، [ و (المقتصد): أصحاب الميمنة]، و (السابق بالخيرات): السابق من الناس كلهم؛ كما قال: والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم [الواقعة: 10-12].
وعن قتادة: أن (الظالم لنفسه): الكافر والمنافق.
وعن الحسن: أن (الظالم لنفسه): المنافق، فيكون الضمير -على هذه الأقوال- في قوله {يدخلونها} لـ (المقتصد) و (السابق).
وقوله: وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن : قال ابن عباس: يعني: حزن دخول النار.
قتادة: هو ما كانوا فيه من تعب الدنيا ونصبها.
الزجاج: هو هم المعيشة، والخوف من العذاب، وتوقع الموت.
وقيل: {الحزن}: أعمال من الخير عملوها، وكانوا يتخوفون ألا تقبل منهم.
وقوله: الذي أحلنا دار المقامة من فضله : {المقامة} و (المقام) سواء.
وقوله: لا يمسنا فيها نصب أي: تعب.
ولا يمسنا فيها لغوب أي: إعياء.
[ ص: 373 ] وقوله: والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا : [أي: لا يقضي عليهم] الموت؛ فيموتوا.
وقوله: وهم يصطرخون فيها : {يصطرخون}: (يفتعلون) من (الصراخ) والطاء مبدلة من التاء.
وقوله: أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر : قال علي، وأبو هريرة: يعني ستين سنة، وروي ذلك عن ابن عباس، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه أيضا: أربعين سنة، وقاله الحسن.
وقوله: وجاءكم النذير : قال ابن عباس: يعني: الشيب، وقال ابن زيد: هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض : [أي: أخبروني عن شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله؛ أخلقوا خلقا في الأرض] أم لهم شرك في السماوات ؟
أم آتيناهم كتابا أي: بالشركة، فهم على بينت منه ؟
[ ص: 374 ] وقوله: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا أي: كراهة أن تزولا، أو لئلا تزولا.
وقوله: ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده : قيل: إن {ولئن} بمعنى (لو) ؛ والمعنى: لو زالتا، وقيل: المراد: زوالهما يوم القيامة.
ثم ختم الآية بقوله: إنه كان حليما غفورا ؛ لأن المعنى -فيما ذكره بعض أهل التأويل-: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا من كفر الكافرين، وقولهم اتخذ الرحمن ولدا [مريم: 88]؛ كما قال: تكاد السماوات يتفطرن منه الآية. [مريم: 90].
وقوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم هذا إخبار عن المشركين الذين ليسوا من أهل الكتاب، وقولهم: ليكونن أهدى من إحدى الأمم : يراد به: اليهود والنصارى.
وقوله: فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقوله: استكبارا في الأرض ومكر السيئ أي: مكر العمل السيئ؛ وهو الكفر.
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله أي: جزاء المكر وعاقبته.
وقوله: فهل ينظرون إلا سنت الأولين يعني: من كفر قبلهم.
وقوله: فإذا جاء أجلهم أي: فإذا جاء أجل عقابهم؛ فإن الله كان بمن [ ص: 375 ] يستحق العذاب منهم بصيرا.


