وبالجملة: الآية الشريفة دليل على نفي قدرة النفع والضر لأحد غير الله.
فقد أشرك بالله، وصار بذلك من المشركين. فمن أثبت النفع والضر من دونه سبحانه
وقال تعالى: الذين يدعون من دونه [غافر: 20] أي: يعبدونهم من دون الله لا يقضون بشيء ؛ لأنهم لا يعلمون شيئا، ولا يقدرون على شيء، فكيف يكونون شركاء لله؟ وهذا تهكم بهم؛ لأن ما لا يوصف بالقدرة؛ كالجماد ونحوه، لا يقال فيه: يقضي، أو لا يقضي. إن الله هو السميع البصير [غافر: 20] فلا يخفى عليه من المسموعات [ ص: 35 ] والمبصرات خافية.
إن الذين تدعون من دون الله [الحج: 73] أي: الأصنام، أو السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله؛ لكونهم أهل الحل والعقد فيهم. وقيل: الشياطين الذين حملوهم على معصية الله. لن يخلقوا ذبابا (الحج: 73] واحدا، مع ضعفه وصغره وقلته.
قال في "فتح البيان»: وتخصيص الذباب؛ لمهانته واستقذاره. والمعنى: لن يقدروا على خلقه، مع كونه حقير الذات، وهو أجهل الحيوانات؛ لأنه يرمي نفسه في المهلكات.
ولو اجتمعوا له (الحج: 73] أي: لخلق الذباب. فكأنه قال: إن هذه السادة أو الأصنام أو الشياطين، إن اجتمعت لا تقدر على خلق ذبابة -على ضعفها- فكيف يليق بالعاقل جعلها معبودا؟
كما أشار إليه في التقرير وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه [الحج: 73] أي: إذا أخذ، واختطف منهم هذا الخلق الأذل الأقل الأرذل الأجهل شيئا من الأشياء بسرعة، لا يقدرون على تخليصه منه؛ لكمال عجزهم، وفرط ضعفهم، وإذا عجزوا عن خلق هذا الحيوان الضعيف، وعن استنقاذ ما أخذه منهم، فهم عن غيره؛ مما هو أكبر منه جرما، وأشد منه قوة، أعجز وأضعف.
ضعف الطالب والمطلوب [الحج: 73] فالصنم، والسيد، والشيطان كالطالب؛ من حيث إنه يطلب خلق الذباب، أو يطلب استنقاذ ما سلب منه، والمطلوب: الذباب. وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف. ولو حققت وجدت الطالب أضعف؛ فإن الذباب حيوان، والصنم جماد، وهو غالب، وذلك مغلوب.
وقيل: الطالب: عابد الصنم، والمطلوب: الصنم. قال الطالب: آلهتهم، والمطلوب: الذباب. ابن عباس:
[ ص: 36 ] وعلى الجملة: الآية - بعمومها - شاملة لكل معبود بباطل، ودليل على سواء كان ذلك الغير جمادا، أو حيوانا، من إنس أو جن، أو شيطان، أو ولي، أو نبي، أو عظيم، أو كبير. نفي تصرف غير الله في شيء من أمور العالم،