الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يوجد في الهند درهم مضروب في زمن بني أمية

والدرهم من فضة، قدره الفقهاء بالشعير وزنا، وعندنا منه درهم من ضرب بني أمية، وهو زنة خمسين حبة شعير، وخمسي حبة.

سماه: عبدا له؛ لكونه هو المقصود بعمله، فكل من توجه بقصده لغير الله، فقد جعله شريكا لله في عبوديته، كما هو حال الأكثر.

قال ابن الأثير: «الخميصة»: ثوب خز أو صوف معلم، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وتجمع على خمائص.

و«الخميلة» بفتح الخاء المعجمة: ذات الخمل، ثياب لها خمل من أي شيء كان.

قال الحافظ ابن حجر: «انتكس»: هو -بالمهملة- أي: عاوده المرض. وقال ابن الأثير: أي: انقلب على رأسه، وهو دعاء عليه بالخيبة.

قال الطيبي: فيه الترقي بالدعاء عليه؛ لأنه إذا تعس، انكب على وجهه، فإذا انقلب، انتكس على رأسه بعد أن سقط.

ومعنى «شيك»: أصابته شوكة، فلا يقدر على إخراجها بالمنقاش، قاله أبو السعادات.

[ ص: 371 ] والمراد: أن من كان هذا حاله، فإنه يستحق أن يدعى عليه بما يسوءه في العواقب، ومن كانت هذه حالته، فلا بد أن يجد أثر هذه الدعوات من الوقوع فيما يضره، في عاجل دنياه وآجل آخرته.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الدينار والدرهم وغيرهما، وذكر فيه ما هو دعاء بلفظ الخبر، وهو قوله: «تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش» وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه، ولم يفلح؛ لكونه تعس وانتكس، فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال.

وقد وصف ذلك بأنه إن أعطي رضي، وإن منع سخط، كما قال تعالى: ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون [التوبة: 58].

رضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقا برئاسة، أو بصورة، ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له.

إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده، فهو عبده، إلى أن قال: هكذا أيضا طالب المال، فإن ذلك يستعبده ويسترقه.

وهذه الأمور نوعان:

1 - منها: ما يحتاج إليه العبد، كما يحتاج إلى طعامه وشرابه، ومنكحه ومسكنه، ونحو ذلك.

فهذا يطلبه من الله، ويرغب إليه فيه.

فيكون المال عنده يستعمله في حاجته، بمنزلة حماره الذي يركبه، وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يعبده، فيكون هلوعا.

2 - ومنها: ما لا يحتاج إليه العبد، فهذا ينبغي ألا يعلق قلبه بها [ ص: 372 ] فإذا تعلق قلبه بها، صار متعبدا لها، وربما صار مستعبدا ومعتمدا على غير الله، فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله، ولا حقيقة التوكل عليه، بل فيه شعبة من العبادة لغير الله، وشعبة من التوكل على غير الله.

وهذا أحق الناس بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار .. إلخ» وهذا هو عبد لهذه الأمور، ولو طلبها من الله، فإن الله إذا أعطاه إياها رضي وإن منعه إياها سخط.

التالي السابق


الخدمات العلمية