الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كل شيء يسبح بلسان فصيح، والدليل على ذلك

وقد قرر العلامة ابن القيم -رحمه الله- أن هذه المخلوقات تسبح الله، وتخشاه حقيقة، واحتج بهذه الآيات ونحوها.

وفي «البخاري» عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: «كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل».

وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات، فسمع لهن تسبيحا.

وفي «الصحيح»، قصة حنين الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل اتخاذ المنبر، ومثل هذا كثير.

وذلك واضح في الدلالة على كونها ذوات حس، ودرك. ولعل ذلك هو المراد بالملكوت في قوله تعالى: بيده ملكوت كل شيء [المؤمنون: 88] قيل: إن نسمة الحيوان يقال لها: روح، وإن نسمة غيره من الجمادات والنباتات يقال لها: ملكوت.

ولكل شيء من الحيوان روح، ولغيره ملكوت يقوم مقام الروح من الحيوان، به يعرف خالقه، ويسبحه وينزهه، والله على كل شيء قدير، وهو بكل شيء عليم.

و «الصعوق»: هو الغشي.

وفي الحديث: دليل على أن أول من يرفع رأسه عند قضاء الله الأمر هو جبريل -عليه السلام - وهو الأمين المأمون على تبليغ الوحي.

وأنه يخبر أهل السماوات كلهم بذلك الأمر الصادر، وهم يسألونه عنه.

وأن الغشي يعمهم جميعا، وأن السماوات ترجف وترعد لكلام الله. وأن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمر الله.

287 [ ص: 288 ] روى ابن جرير وغيره عن علي بن حسين: أن اسم جبريل: عبد الله، واسم ميكائيل: عبيد الله، واسم إسرافيل: عبد الرحمن. وكل شيء رجع إلى «إيل» فهو معبد لله عز وجل .

وفي الحديث: فضيلة جبريل -عليه السلام- كما قال تعالى: إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين [التكوير: 19- 21].

قال ابن كثير: معناه: إنه لتبليغ رسول كريم.

قال أبو صالح في الآية: يدخل جبريل في سبعين حجابا من نور بغير إذن.

ولأحمد - بإسناد صحيح - عن ابن مسعود، قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من الدرر والياقوت ما الله به عليم.

فإذا كان هذا عظم هذا المخلوق، فخالقها أعظم وأجل وأكبر وأعلى.

فكيف يصح أن يسوى به غيره في العبادة ؛ دعاء، وخوفا، ورجاء، وتوكلا، وغير ذلك من العبادات التي لا يستحقها إلا الله تعالى؟!.

انظر إلى حال هذه الملائكة، وشدة خوفهم من الله، وقد قال تعالى: لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون إلى قوله: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون إلى قوله: كذلك نجزي الظالمين [ الأنبياء: 29] .

وبالجملة: الأحاديث والآيات المذكورة والواردة في هذا الحديث، تقرر التوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله.

فإن الملك العظيم الذي تصعق الأملاك من كلامه، وترجف السماوات من قوله ؛ خوفا منه، ومهابة، وهو الكامل في ذاته وصفاته، وملكه وغنائه عن جميع خلقه، وافتقارهم إليه، ونفوذ قدرته وتصرفه فيهم، لعلمه بهم، لا يجوز شرعا ولا عقلا أن يجعل له شريك من خلقه في عبادته التي هي حقه عليهم، وعلى جميع الكائنات، بحسب حالاتهم وصفاتهم ؛ من القيام، والركوع والسجود ونحوها، فكيف يجعل المربوب ربا، والعبد معبودا؟!.

[ ص: 289 ] يالله العجب! أين ذهبت عقول هؤلاء المشركين، وفي أي هوة أوقعتهم الشياطين ؟! سبحان الله عما يشركون.

قال تعالى: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [مريم: 93] فإذا كان الجميع عبيدا له، فلا يصح أبدا أن يعبد بعض المخلوقات بعضا بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد رأي واختراع وابتداع.

وقد أرسل سبحانه رسله من أولهم إلى آخرهم زاجرين عن الشرك، ناهين عن عبادة ما سوى الله. هكذا في «شرح سنن ابن ماجه».

التالي السابق


الخدمات العلمية