فصل في ونحوها رد العدوى
عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: أبي هريرة رواه «لا عدوى، ولا هامة، ولا صفر»، فقال أعرابي: يا رسول الله! فما بال الإبل تكون في الرمل لكأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «فمن أعدى الأول» ؟ البخاري.
وفي رواية أخرى عنه عند مرفوعا بلفظ: مسلم «لا عدوى، ولا هامة ولا نوء، ولا صفر».
وفي حديث قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم- يقول: جابر رواه «لا عدوى ولا صفر، ولا غول» مسلم.
قال العدوى: اسم من الإعداء، كالدعوى. أبو السعادات:
فقال: أعداه الداء يعديه إعداء: إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء.
وفي رواية أن لمسلم: كان يحدث بحديث: أبا هريرة ويحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم-: أنه قال: «لا عدوى». ثم إن «لا يورد ممرض على مصح». اقتصر على هذا الحديث، وأمسك عن حديث: أبا هريرة ، [ ص: 156 ] فراجعوه، وقالوا: سمعناك تحدثه، فأبى أن يعترف به، قال «لا عدوى» أبو سلمة الراوي عنه: فلا أدري، أنسي أو نسخ أحد القولين الآخر. أبو هريرة،
وقد روى حديث: «لا عدوى» جماعة من الصحابة: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، والسائب بن يزيد، وغيرهم.
وفي بعض روايات هذا الحديث: «وفر من المجذوم كما تفر من الأسد».
قال الشوكاني: الإنكار إذا وقع من راوي الحديث بعد أن رواه عنه الثقة لا يكون قادحا، كما تقرر في علم أصول الحديث ؛ لاحتمال النسيان.
فكيف إذا رواه عنه الثقات؟ فكيف إذا شاركه فيما رواه غيره؟ قال: وقد روى حديث: «لا عدوى»: مسلم، من طريق وأبو داود العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وأخرجه أيضا من طريق أبو داود أبي صالح، عن أبي هريرة.
وأخرجه أيضا من طريق مسلم، وأخرجه جابر. البخاري ومسلم، وأبو داود، والترمذي، من حديث وابن ماجه وأخرجه أنس. من حديث أبو داود سعد بن مالك.
وهذا الحديث قد رواه عن غير أبي هريرة أبي سلمة، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم- غير كما بيناه. انتهى. أبي هريرة
وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث.
وأحسن ما قيل فيه قول وتبعه البيهقي، ابن الصلاح، وابن القيم، وابن رجب، وابن مفلح، وغيرهم: أن قوله: معناه: لا عدوى على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمور تعدي بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببا لحدوث ذلك. «لا عدوى»
ولهذا قال: وقال: «لا «وفر من المجذوم»، يورد ممرض على مصح».
[ ص: 157 ] وقال في الطاعون: وكل ذلك بتقدير الله. «من سمع به في أرض، فلا يقدم عليها».
ولأحمد، والترمذي، مرفوعا: «لا يعدي شيء»، قالها ثلاثا. ابن مسعود
فقال أعرابي: يا رسول الله! النقبة من الجرب تكون بمسفر البعير، أو بذنبه في الإبل العظيمة، فتجرب كلها؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «فمن أجرب الأول؟ لا عدوى، ولا طيرة ولا هامة ،ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصائبها ورزقها». عن
فأخبر صلى الله عليه وسلم- أن ذلك كله بقضاء الله تعالى وقدره.
والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية.
فكما أنه يؤمر ألا يلقي نفسه في الماء، وفي النار، مما جرت العادة أنه يهلك أو يضر، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، والقدوم على بلد الطاعون، فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف.
ولا مقدر سواه، ولا متصرف إلا إياه. فالله سبحانه هو خالق الأسباب، ومسبباتها، لا خالق غيره،
وأما إذا قوي التوكل على الله، والإيمان وقدره، فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتمادا على الله، ورجاء منه ألا يحصل به ضرر، ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك، لا سيما إذا كانت مصلحة عامة أو خاصة.
وعلى هذا يحمل الحديث الذي رواه أبو داود، والترمذي: .. أن النبي صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد مجذوم، فأدخلها معه في القصعة، ثم قال: «كل باسم الله، وتوكلا عليه»
وقد أخذ به وروي ذلك عن الإمام أحمد، وابنه، عمر، - رضي الله عنهم - ونظير ذلك ما روي عن وسلمان - رضي الله عنه - من أكل السم. خالد بن الوليد
[ ص: 158 ] ومنه: مشي سعد بن أبي وقاص على متن البحر، قاله وأبي مسلم الخولاني ابن رجب - رحمه الله تعالى - قال الطيبي: العدوى: هاهنا: مجاوزة العلة من صاحبها إلى آخر.
يقال: أعدى فلان فلانا من خلقة، أو من علة به، وذلك على ما ذهبت المطببة في علل سبع.
وقد اختلف العلماء في تأويل هذا.
فمنهم من يقول: إن المراد منه نفي ذلك وإبطاله ؛ على ما يدل عليه ظاهر الحديث.
ومنهم من يرى: أنه لم يرد إبطالها، كما يدل عليه قول: الحديث. وإنما أراد بذلك نفي ما اعتقدوا، من أن العلل المتعدية مؤثرة لا محالة، فأعلمهم أنه ليس كذلك، بل هو متعلق بالمشيئة، إن شاء كان، وإن شاء لم يكن، ويشير إلى هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم-: «فر من المجذوم» . «فمن أعدى الأول؟»
وبين بقوله: أن مداناة ذلك من أسباب العلة، فليتقه اتقاءه من الجدار المائل. انتهى حاصله. «فر من المجذوم»
قال الشوكاني - رحمه الله تعالى - في «إتحاف المهرة في الكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة»: العدوى والطيرة المذكورتان في هذه الأحاديث نكرتان في سياق النفي، والنكرة الواقعة كذلك من صيغ العموم كما تقرر في الأصول.
فكأنه صلى الله عليه وسلم- قال: ليس شيء من أفراد العدوى والطيرة ثابتا.
ومما يقوي هذا العموم حديث «الطيرة شرك، وما منا... إلخ»، وقد تقدم. ابن مسعود:
وقال النووي في «شرح في الكلام على حديث: مسلم» قال العلماء: الممرض: صاحب الإبل المراض. «لا يورد ممرض على مصح»:
فمعنى الحديث: لا يورد إبله على أهل صاحب الإبل الصحاح ؛ لأنه ربما [ ص: 159 ] أصابها المرض بفعل الله تعالى وقدره، الذي أجرى به العادة، لا بطبعها، فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها.
وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك، باعتقاد العدوى بطبعها، فيكفر. والله أعلم. انتهى .
وأشار إلى نحو هذا الكلام وقال: النهي ليس للعدوى، بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوها، حكاه ابن بطال، ابن رسلان في «شرح السنن».
وقال وجه الجمع أن هذه الأمراض لا تتعدى بطبعها، ولكن الله سبحانه جعل مخالطة المريض الصحيح سببا لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب. ابن الصلاح:
قال الحافظ ابن حجر في شرح «النخبة»: والأولى في الجمع أن يقال: إن نفيه صلى الله عليه وسلم للعدوى باق على عمومه، وقد صح قوله: وقوله لمن عارضه بالبعير الأجرب، فرد عليه بقوله: «لا يعدي شيء شيئا»، «فمن أعدى الأول؟».
يعني: أن الله ابتدأ ذلك في الثاني، كما ابتدأ في الأول.
وأما فمن باب سد الذرائع ؛ لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله ابتداء، لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتمد صحة العدوى، فيقع في الحرج، فأمر بتجنبه حسما للمادة. انتهى. الأمر بالفرار من المجذوم،
وقد ذكر مثل هذا في «فتح الباري» في كتاب: الجهاد، منه.
والمناسب للعمل الأصولي: أن تجعل الأحاديث الواردة بثبوت العدوى في بعض الأمور أو الأمر بالتجنب، أو الفرار، مخصصا لعموم حديث: وما ورد في معناه ؛ كما هو شأن العام والخاص. «لا عدوى»،
فيكون الوارد في الأحاديث في قوة: «لا عدوى إلا في هذه الأمور».
وقد تقرر في الأصول: أنه يبنى العام على الخاص مع جهل التاريخ، وادعى بعضهم أنه إجماع، والتاريخ في هذه الأحاديث مجهول.
[ ص: 160 ] ولا مانع من أن يجعل الله سبحانه في بعض الأمراض خاصة يحصل بها العدوى عند المخالطة، دون بعض.
وقد ذهب إلى نحو هذا: مالك، وغيره، انتهى كلام الشوكاني. وتقدم الكلام على معنى «هامة».