فصل في بيان ما جاء في السحر والكهانة والنشرة
ونحوها، وأنها من وادي الإشراك بالله تعالى
وقال تعالى: ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق [البقرة: 102]؛ أي: نصيب، قاله ابن عباس.
قال وقد علم أهل الكتاب فيما عهد إليهم -: أن الساحر لا حظ له في الآخرة. قتادة:
وقال ليس له دين. الحسن:
فدلت الآية على كذلك هو محرم في جميع أديان الرسل -عليهم السلام - كما قال سبحانه: تحريم السحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى [طه: 69].
وقد نص أصحاب أنه يكفر بتعلمه وتعليمه. أحمد:
عبارة عما خفي ولطف سببه، ولهذا جاء في الحديث: والسحر في اللغة: وسمي السحر سحرا ؛ لأنه يقع خفيا آخر الليل. «إن من البيان لسحرا»،
قال أبو محمد المقدسي في «الكافي»: السحر: عزائم ورقى وعقد، يؤثر في [ ص: 303 ] القلوب والأبدان، فيمرض، ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه.
وقال تعالى: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه [البقرة: 102] وقال سبحانه: ومن شر النفاثات في العقد [الفلق: 4] يعني: الساحرات اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن في عقدهن، ولولا أن للسحر حقيقة، لم يؤمر بالاستعاذة منه.
وعن - رضي الله عنها -: عائشة لبيد بن الأعصم في مشط ومشاطة في طلعة ذكر في بئر ذي أروان» رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: «أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه ؟ قال: البخاري.
قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من زيد بن أرقم، اليهود، فاشتكى، فأتاه جبريل، فنزل عليه بالمعوذتين، وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان.
«فأرسل فجاء به، فأمره أن يحل العقد، ويقرأ آية ويحل، حتى قام النبي، كأنما نشط من عقال». عليا، أخرجه وعن في «مسنده»، وأخرجه عبد بن حميد من حديث ابن مردويه مطولا، وكذلك من حديث عائشة ابن عباس.
قيل: وكانت أربعين يوما، وقيل: ستة أشهر، وقيل: عاما، قال مدة سحره صلى الله عليه وسلم الحافظ ابن حجر: وهو المعتمد.
قال تأثير السحر في النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من حيث إنه نبي، وإنما كان في بدنه ؛ من حيث إنه إنسان أو بشر، كما كان يأكل، ويتغوط، ويبول، ويشتهي، ويمرض، فتأثيره فيه من حيث هو بشر، لا من حيث هو نبي. الراغب:
وإنما يكون ذلك قادحا في النبوة لو وجد في السحر تأثير في أمر يرجع للنبوة؛ كما أن جرحه وكسر ثنيته يوم أحد لم يقدح فيما ضمن الله له من عصمته في قوله: والله يعصمك من الناس [المائدة: 67]، وكما لا اعتداد بما يقع في [ ص: 304 ] الإسلام من غلبة بعض المشركين على بعض النواحي فيما ذكر من كمال الإسلام في قوله: اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة: 3].
قال القاضي: ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور؛ لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر، انتهى.
ومذهب أهل السنة: أن السحر حق، وله حقيقة، ويكون بالقول والفعل، ويؤلم، ويمرض، ويقتل، ويفرق بين الزوجين، وتمام الكلام على هذا في «حاشية الشيخ سليمان الجمل على الجلالين»، فراجعها.