ما يستحقه الساحر من العقوبة
وفي «الروضة الندية شرح الدرر البهية» في باب: من يستحق القتل حدا، ما نصه: والساحر؛ لكون عمل السحر نوعا من الكفر، ففاعله مرتد، يستحق ما يستحقه المرتد.
وقد روى الترمذي، والدارقطني، والبيهقي، من حديث والحاكم جندب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «حد الساحر ضربة بالسيف».
قال والصحيح عن الترمذي: جندب موقوفا، قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس.
وقال الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملا دون الكفر، فلم نر عليه قتلا. الشافعي:
[ ص: 307 ] وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف.
وأخرج أحمد، وعبد الرزاق، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كتب قبل موته بشهرين: اقتلوا كل ساحر وساحرة. والبيهقي:
والأرجح ما قاله لأن الساحر إنما يقتل لكفره، فلا بد أن يكون ما عمله من السحر موجبا للكفر. الشافعي؛
قال في «المسوى شرح الموطأ»: السحر كبيرة.
قال تعالى: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر [البقرة: 102].
واختلف في ذلك أهل العلم.
فقال مالك، يقتل الساحر. وأحمد:
وقال ما تقدم. الشافعي:
ولو قتل الساحر رجلا بسحره، وأقر أني سحرته، وسحري يقتل غالبا، يجب عليه القود عند ولا يجب عند الشافعي، ولو قال: سحري قد يقتل، وقد لا يقتله فهو شبه عمد. أبي حنيفة،
ولو قال: أخطأت إليه من غيره، فهو خطأ تجب فيه الدية المخففة، وتكون في ماله؛ لأنه ثبت باعترافه، إلا أن يصدقه العاقلة، فتكون عليهم.
أقول: لا شك أن وحده حد المرتد، وقد تقدم. من تعلم السحر بعد إسلامه، كان بفعل السحر كافرا مرتدا،
وقد ورد في الساحر بخصوصه أن حده القتل.
ولا يعارض ذلك ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل لبيد بن الأعصم الذي سحره، فقد يكون ذلك قبل أن يثبت أن حد الساحر القتل، وقد يكون ذلك لأجل خشية معرة اليهود، وقد كانوا أهل شوكة، حتى أبادهم الله، وفل شوكتهم، وأقلهم وأذلهم.
[ ص: 308 ] وقد عمل الخلفاء الراشدون على قتل الساحر، وشاع ذلك وذاع، ولم ينكره أحد. انتهى.
وفي تفسير «فتح البيان» في قوله سبحانه: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان يعني: بالسحر، ولم يعمل به.
وفيه ولم يتقدم أن أحدا نسبه إلى الكفر، ولكن لما نسبه اليهود إلى السحر، صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر؛ لأن السحر يوجب ذلك. تنزيه سليمان -عليه السلام- عن السحر،
وقالوا: إن سليمان ملك الناس بالسحر؛ ولهذا أثبت الله سبحانه كفر الشياطين، فقال: ولكن الشياطين كفروا أي: بتعليمهم يعلمون الناس السحر ، وهو ما يفعله الساحر من الحيل والتخيلات التي يحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة، الشبيهة بما يقع لمن يرى السراب فيظنه ماء، وما يظنه راكب السفينة، أو الدابة من أن الجبال تسير.