وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم [المائدة: 54] فذكر لهم أربع علامات.
إحداها وثانيتها: أنهم أذلة على المؤمنين، قيل: معناه: أرقاء رحماء، مشفقين عليهم، عاطفين لهم.
فلما ضمن «أذلة» هذا المعنى، عداه بأداة «على».
قال عطاء: للمؤمنين كالولد للوالدة، والعبد لسيده، وعلى الكافرين كالأسد على فريسته أشداء على الكفار رحماء بينهم [الفتح: 29].
العلامة الثالثة: الجهاد في سبيل الله بالنفس، واليد، واللسان، والمال، وذلك يحقق دعوى المحبة.
العلامة الرابعة: أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، وهذا علامة صحة المحبة.
فكل محب أخذه اللوم على محبوبه، فليس بمحب على الحقيقة، بل المحب شأنه أن يقول:
[ ص: 343 ]
أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم
قال تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء: 57] فذكر المقامات الثلاثة للحب، وهي:1- ابتغاء القرب إليه.
2 - والتوسل إليه بالأعمال الصالحة.
3 - والرجاء والخوف، يدل على أن ابتغاء الوسيلة أمر زائد على رجاء الرحمة وخوف العذاب.
ومن المعلوم قطعا: أنه لا يتنافس إلا في قرب من يحب قربه، وحب قربه تبع لمحبة ذاته، بل محبة ذاته أوجبت محبة القرب منه.
وعند الجهمية والمعطلة، ما من ذلك كله شيء؛ فإنه -عندهم- لا تقرب ذاته من شيء، ولا يقرب من ذاته شيء، ولا يحب لذاته، ولا يحب.
فأنكروا حياة القلوب، ونعيم الأرواح، وبهجة النفوس، وقرة العيون، وأعلى نعيم الدنيا والآخرة.
ولذلك ضربت قلوبهم بالقسوة، وضرب دونهم ودون الله حجاب على معرفته ومحبته.
فلا يعرفونه، ولا يحبونه، ولا يذكرونه، إلا عند تعطيل أسمائه وصفاته.
فذكرهم أعظم آثامهم وأوزارهم، بل يعاقبون من يذكره بأسمائه وصفاته ونعوت جلاله، ويرمونهم بالأدواء التي هم أحق بها وأهلها.
وحسب ذي البصيرة وحياة القلب ما يرى على كلامهم من القسوة والمقت والتنفير عن محبة الله تعالى ومعرفته وتوحيده سبحانه، والله المستعان.
وقال -رحمه الله تعالى- أيضا: لا تجد المحبة أوضح من وجودها.
فالحدود لا تزيدها إلا خفاء، فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة، وإنما يتكلم الناس في أسبابها وموجباتها، وعلاماتها، وشواهدها، وثمراتها، وأحكامها.
[ ص: 344 ]