الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفي الخبر : لا يدخلن أحدكم الصلاة وهو مقطب ولا يصلين أحدكم وهو غضبان وقال الحسن كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع .

وفي الحديث : " سبعة أشياء في الصلاة من الشيطان : الرعاف والنعاس ، والوسوسة والتثاؤب ، والحكاك ، والالتفات ، والعبث بالشيء وزاد بعضهم السهو والشك وقال بعض السلف : أربعة في الصلاة من الجفاء : الالتفات ومسح الوجه وتسوية الحصى وأن تصلي بطريق من يمر بين يديك ونهى أيضا عن أن يشبك أصابعه أو يفرقع أصابعه أو يستر وجهه .

التالي السابق


(وفي الخبر: لا يدخل أحدكم الصلاة وهو مغضب) ، كذا في النسخ، وفي أخرى: "وهو مقطب"، ومثله في "القوت" إلا أنه قال: "لا يدخلن"، والمعنى معبس الوجه، (ولا يصلين أحدكم وهو غضبان) ، هكذا أورده صاحب "القوت" .

وقال العراقي: لم أجده، (وقال الحسن) رحمه الله تعالى: (كل صلاة لا يحضر فيها القلب) ، يعني بحضور القلب الخشوع، (فهي إلى العقوبة أسرع) ، هكذا أورده صاحب "القوت" في آخر الباب، والمراد بالحسن عند الإطلاق هو البصري، (وفي الحديث: "سبعة أشياء في الصلاة من الشيطان: الرعاف والنعاس، والوسوسة والتثاؤب، والحكاك، والالتفات، والعبث بالشيء) ، هكذا أورده صاحب "القوت" بلفظ: "وقد جاء في الخبر: سبعة أشياء"، فذكره .

ثم قال: (وزاد بعضهم السهو والشك) ، أما الرعاف بالضم: فهو خروج الدم من الأنف، ويقال: هو الدم نفسه، والنعاس بالضم: حقيقة الوسن بلا نوم، قاله الأزهري، والوسوسة: ما يخطر بالقلب من شر وحديث النفس، والتثاؤب بالهمز على تفاعل: فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فمه، والتثاوب بالواو عامي، والحكاك بالضم: داء الحكة، ويحتمل أن يكون بالكسر فيكون المراد به ما يحيك في الصدر من الخطرات، والالتفات: هو النظر يمينا وشمالا، والعبث بالشيء: اللعب به، والسهو: هو غفلة القلب عن الشيء حتى يزول عنه الحفظ فلا يتذكر، ويحتمل أن يكون المراد به النظر إلى الشيء ساكن الطرف، والشك: التردد بين الشيئين، وقال العراقي: أخرجه الترمذي من رواية عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، فذكر منها الرعاف والنعاس والتثاؤب، وزاد ثلاثة أخرى وقال: حديث غريب .

ولمسلم من حديث عثمان بن أبي العاصي: "يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي"، الحديث، وللبخاري من حديث عائشة في الالتفات في الصلاة: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد"، وللشيخين من حديث أبي هريرة: "التثاؤب من الشيطان"، ولهما من حديث أبي هريرة: "إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى"، الحديث .

قلت: وأخرج أبو داود والنسائي عن أبي ذر : "لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه". ولهذا قال المتولي بحرمته، وقال الأذرعي: المختار أنه إن تعمد مع علمه حرم، بل تبطل إن فعله لعبا .

(وقال بعض السلف: أربعة في الصلاة من الجفاء: الالتفات) يمينا وشمالا، (ومسح الوجه) ، -أي جبهته- من التراب، (وتسوية الحصى) ، لأجل تمكين جبهته للسجود، (وأن تصلي بطريق من يمر بين يديك) .

هكذا أورده صاحب "القوت"، وزاد: فقال: وزاد بعضهم: وأن يصلي في الصف الثاني، وفي الصف الأول فرجة، (ونهى أيضا عن أن يشبك أصابعه) في الصلاة .

قال العراقي: النهي عن تشبيك الأصابع في الصلاة، أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة، ولأبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان نحوه من حديث كعب بن عجرة .

قلت: أراد بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدا إلى المسجد، فلا يشبكن بين أصابعه، فإنه في الصلاة"، ووجه الدلالة منه أنه إذا نهى عنه حال الجلوس في المسجد منتظرا للصلاة، أو حال التوصل إلى المسجد لكونه كأنه في الصلاة حكما من [ ص: 95 ] حيث الثواب، فأن يكون منهيا عنه في الصلاة حقيقة بطريق الأولى، ولذا قال العراقي نحوه، فتأمل. (أو يفرقع أصابعه) ، كذا في سائر النسخ، وفي نسخة العراقي : أو يفقع، والتفقيع هي اللغة الفاشية، وأما الفرقعة عامية، وهو أن يمدها أو يغمزها حتى تصوت، وحديث النهي عنه رواه ابن ماجه من حديث علي بإسناد ضعيف: " لا تفقع أصابعك في الصلاة".

قلت: كذا هو في "الجامع الكبير" للسيوطي، إلا أنه قال: "وأنت في الصلاة" .

قلت: إلا أنه أعل بالحرث الأعور، وفي "المستصفى": هو من عمل قوم لوط، فيكره التشبه بهم، وعلى هذا فيكره خارج الصلاة أيضا، (أو يستر الوجه) ؛لأنه من فعل الجاهلية، كانوا يتلثمون فيغطون وجوههم، فنهوا عنه؛ لأنه ربما منع من إتمام القراءة أو إكمال السجود، وقد روي معناه في حديث أبي هريرة: "نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة". رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه .




الخدمات العلمية