الباب الرابع .
في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده .
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
اعلم أن حيا وميتا وفعلا وقولا وجميع أحواله عبرة للناظرين . في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة
وتبصرة للمستبصرين إذ لم يكن أحد أكرم على الله منه ; إذ كان خليل الله وحبيبه ونجيه ، وكان صفيه ورسوله ونبيه فانظر هل أمهله ساعة عند انقضاء مدته ؟ وهل أخره لحظة بعد حضور منيته ؟ لا ، بل أرسل إليه الملائكة الكرام الموكلين بقبض أرواح الأنام فجدوا بروحه الزكية الكريمة لينقلوها وعالجوها ليرحلوها عن جسده الطاهر إلى رحمة ورضوان وخيرات حسان بل إلى مقعد صدق في جوار الرحمن ، فاشتد مع ذلك في النزع كربه وظهر أنينه وترادف قلقه وارتفع حنينه وتغير لونه وعرق جبينه ، واضطربت في الانقباض والانبساط شماله ويمينه ، حتى بكى لمصرعه من حضره وانتحب لشدة حاله من شهد منظره ، فهل رأيت منصب النبوة دافعا عنه مقدورا ؟ وهل راقب الملك فيه أهلا وعشيرا ؟ وهل سامحه إذ كان للحق نصيرا ، وللخلق بشيرا ونذيرا ، هيهات بل امتثل ما كان به مأمورا ، واتبع ما وجده في اللوح مسطورا ، فهذا كان حاله ، وهو عند الله ذو المقام المحمود والحوض المورود وهو فالعجب أنا لا نعتبر به ، ولسنا على ثقة فيما نلقاه ، بل نحن أسراء الشهوات وقرناء المعاصي والسيئات ، فما بالنا لا نتعظ بمصرع أول من تنشق عنه الأرض وهو صاحب الشفاعة يوم العرض محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وحبيب رب العالمين لعلنا نظن أننا مخلدون أو نتوهم أنا مع سوء أفعالنا عند الله مكرمون ، هيهات هيهات ، بل نتيقن أنا جميعا على النار واردون ، ثم لا ينجو منها إلا المتقون ، فنحن للورود مستيقنون ، وللصدور عنها متوهمون لا بل ظلمنا أنفسنا إن كنا كذلك لغالب الظن منتظرين ، فما نحن والله من المتقين ، وقد قال الله رب العالمين : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا فلينظر كل عبد إلى نفسه أنه إلى الظالمين أقرب أم إلى المتقين ؟ فانظر إلى نفسك بعد أن تنظر إلى سيرة السلف الصالحين فلقد ، كانوا مع ما وفقوا له من الخائفين .
ثم انظر إلى سيد المرسلين فإنه كان من أمره على يقين إذ كان سيد النبيين وقائد المتقين ، واعتبر ، كيف كان كربه عند فراق الدنيا ؟ وكيف اشتد أمره عند الانقلاب إلى جنة المأوى قال رضي الله عنه دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أمنا ابن مسعود رضي الله عنها حين دنا الفراق فنظر إلينا فدمعت عيناه ، صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : عائشة . مرحبا بكم حياكم الله آواكم ، الله ، نصركم الله وأوصيكم ، بتقوى الله وأوصي ، بكم الله ، إني لكم منه نذير مبين ألا ، تعلوا على الله في بلاده وعباده ، وقد دنا الأجل والمنقلب إلى الله ، وإلى سدرة المنتهى ، وإلى جنة المأوى وإلى الكأس ، الأوفى ، فاقرءوا على أنفسكم وعلى من دخل في دينكم بعدي مني السلام ورحمة الله