[ ص: 55 ] ( فصل في وأحكامها وما يناب منه ) وجوب التوبة
تلزم التوبة شرعا لا عقلا خلافا للمعتزلة ، قال بعضهم المسألة مبنية على التحسين والتقبيح العقلي ، كل مسلم مكلف قد أثم من كل ذنب ، وقيل : غير مظنون . قال في نهاية المبتدئين : تصح التوبة مما يظن أنه إثم ، وقيل لا ، ولا تجب بدون تحقق إثم ، والحق وجوب قوله : إني تائب إلى الله من كذا وأستغفر الله منه ، والقول بعدم صحة توبته هو الذي ذكره القاضي مذهبا ; لأن التوبة هي الندم على ما كان منه والندم لا يتصور مشروطا ; لأن الشرط إذا حصل بطل الندم .
قال القاضي : وإذا شك في الفعل الذي فعله هل هو قبيح أم لا ؟ فهو مفرط في فعله وتجب عليه التوبة من هذا التفريط ، ويجب عليه أن يجتهد بعد ذلك في معرفة قبح ذلك الفعل أو حسنه ; لأن المكلف أخذ عليه أن لا يقدم على فعل قبيح ، ولا على ما لا يأمن أن يكون قبيحا ، فإذا قدم على فعل يشك أنه قبيح فإنه مفرط وذلك التفريط ذنب تجب التوبة منه . وأصل هذه المسألة مذكور في آخر باب الأمانة .
قال الشيخ تقي الدين : فمن تاب توبة عامة كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها إلا أن يعارض هذا العام معارض يوجب التخصيص ، مثل أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه لقوة إرادته إياه ، أو لاعتقاده أنه حسن ، وتصح من بعض ذنوبه في الأصح .
وذكر الشيخ محيي الدين النووي : أنها تصح من ذلك الذنب عند أهل الحق وهو الذي ذكره القاطبي أنه خلاف قول المعتزلة قال : وعن ابن عقيل ما يدل على أن التوبة لا تصح إلا من جميع الذنوب قال : في رجل قال : لو ضربت ما زنيت ولكن لا أترك النظر فقال أحمد رضي الله عنه [ ص: 56 ] ما ينفعه ذلك فسلبه الانتفاع بترك الزنا مع إصراره على مقدماته وهو النظر . أحمد