وذلك ; لأنه عانى في الوفاء بالعهد ما لم يعانه غيره وعد رجلا فانتظره حولا ، روي عن ، وقيل انتظره اثني عشر يوما ، وقيل ثلاثة أيام قال ابن عباس : وقد روي { ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتظر رجلا وعده في موضع من طلوع الشمس إلى غروبها } . قال الشاعر :
لسانك أحلى من جنى النحل وعده وكفاك بالمعروف أضيق من قفل
وقال آخر :
لله درك من فتى لو كنت تفعل ما تقول
وقال الآخر :
لا خير في كذب الجواد وحبذا صدق البخيل
وقال آخر :
الخير أنفعه للناس أعجله وليس ينفع خير فيه تطويل
[ ص: 39 ] وقال آخر :
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيدها إلا الأباطيل
وقال عن أبيه كان ابن الكلبي عرقوب رجلا من العماليق فآتاه أخ له يسأل شيئا فقال له عرقوب إذا أطلع نخلي . فلما أطلع أتاه فقال : إذا أبلح ، فلما أبلح أتاه فقال : إذا أزهى ، فلما أزهى أتاه فقال : إذا أرطب ، فلما أرطب أتاه فقال : إذا أتمر ، فلما أتمر جذه ولم يعطه شيئا فضرب به العرب المثل في خلف الوعد وقال غيره : كان عرقوب جبلا مكللا بالسحاب أبدا ولا يمطر شيئا قالت الحكماء من خاف الكذب أقل المواعيد ، وقالوا : أمران لا يسلمان من الكذب كثرة المواعيد ، وشدة الاعتذار .
وقال آخر :
إن الكريم إذا حباك بموعد أعطاكه سلسا بغير مطال
وقال آخر :
قم لوجه الله بالحق وكن صادق الوعد فمن يخلف يلم
وذكر قول ابن عبد البر قلت { عائشة رضي الله عنها يا رسول الله بم يعرف المؤمن ؟ قال وقاره ، ولين كلامه ، وصدق حديثه } وقال رضي الله عنه من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم . علي بن أبي طالب
وقال سعيد : كل الخصال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب قيل للقمان الحكيم ألست عبد بني فلان ؟ قال بلى قيل فما بلغ بك ما أرى قال : تقوى الله عز وجل ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني ، ثم قال : [ ص: 40 ]
ألا رب من تغتشه لك ناصح ومؤتمن بالغيب غير أمين
فقال أنتم أكثر منا طوافا وصياما ، ونحن خير منكم بصدق الحديث . وأداء الأمانة وإنجاز الوعد . أنشد ابن عمر : محمود الوراق
اصدق حديثك إن في الصدق الخلاص من الدنس
ودع الكذوب لشانه خير من الكذب الخرس
وقال آخر :
ما أقبح الكذب المذموم صاحبه وأحسن الصدق عند الله والناس
الصدق أولى ما به دان امرؤ فاجعله دينا
ودع النفاق فما رأيت منافقا إلا مهينا
وقال : لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه ، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه . الحسن البصري
وقال الفريابي كنت عند الأوزاعي إذ جاءه رجل فقال يا أبا عمرو ، هذا كتاب صديقك وهو يقرأ عليك السلام فقال متى قدمت ؟ قال : أمس ، قال ضيعت أمانتك لا أكثر الله في المسلمين أمثالك قال الشاعر :
إذا أنت حملت الأمانة خائنا فإنك قد أسندتها شر مسند
وقال بعض الحكماء من عرف بالصدق جاز كذبه ، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه ، قالوا والصدق عز والكذب خضوع .
وقال كعب بن زهير :
ومن دعا الناس إلى ذمه ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها أسرع من منحدر السائل
[ ص: 41 ] وقال لقمان لابنه : يا بني احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه .
وقال : قيل لكذاب ما يحملك على الكذب ؟ فقال أما إنك لو تغرغرت ماءه ما نسيت حلاوته ، وقيل لكذاب هل صدقت قط قال أكره أن أقول لا فأصدق . الأصمعي