قال الله تعالى : { فإذا طعمتم فانتشروا } أي فاخرجوا { ولا مستأنسين } أي طالبين الأنس لحديث قال ابن الجوزي ما ذكره غيره كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدثون طويلا وكان ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويستحي أن يقول لهم : قوموا فعلمهم الله الأدب { والله لا يستحي من الحق } .
أي لا يترك أن يبين لهم ما هو الحق فأما إن دلت قرينة على الإذن في الجلوس جاز ثم قد يكون مستحبا لميل صاحب الطعام إلى ذلك وقد يكون مباحا .
قال نزلت هذه الآية في الثقلاء وقال الحسن البصري السدي ذكر الله الثقلاء في القرآن في قوله { فإذا طعمتم فانتشروا } .
وينبغي للإنسان أن يجتهد في أن لا يستثقل فإن ذلك أذى له ولغيره والمؤمن سهل لين هين كما سبق في حسن الخلق قال سئل ابن عبد البر جعفر بن محمد عن المؤمن يكون بغيضا قال لا يكون بغيضا ولكن يكون ثقيلا .
وقال قلت سفيان بن عيينة ما لك لم تكتب عن لأيوب السختياني قال أتيته فوجدته بين ثقيلين وسماهما كان طاووس إذا استثقل [ ص: 235 ] رجلا قال : اللهم اغفر لنا وله وأرحنا منه وكان أبو هريرة إذا رأى من يستثقله قال { حماد بن سلمة ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون } .
وعن حماد أيضا أنه قال في الصوم في البستان من الثقل كذا قال وليس هو على ظاهره بل يختلف بحسب الحال كان يقال : مجالسة الثقيل حمى الروح قيل لأي شيء يكون الثقيل أثقل على الإنسان من الحمل الثقيل فقال : لأن الثقيل يعقد على القلب ، والقلب لا يحتمل ما يحتمل الرأس والبدن من الثقل كان فلاسفة لأبي عمرو الشيباني الهند يقولون : النظر إلى الثقيل يورث موت الفجأة قال ثقيل لمريض ما تشتهي قال أشتهي أن لا أراك .
وقال ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث محادثة الإخوان وحك الجرب والوقيعة في الثقلاء وهي أفضل الثلاث وقال آخر : معمر
إذا جلس الثقيل إليك يوما أتتك عقوبة من كل باب فهل لك يا ثقيل إلى خصال
تنال ببعضها كرم المآب إلى مالي فتأخذه جميعا
أحل لديك من ماء السحاب وتنتف لحيتي وتدق أنفي
وما في في من ضرس وناب على أن لا أراك ولا تراني
مقاطعة إلى يوم الحساب
وكان يقال مجالسة الثقيل ، عذاب وبيل ، وأنشد بعضهم :
ليتني كنت ساعة ملك الموت فأفني الثقال حتى يبيدوا
قال الشاعر :
أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل أنت في المنظر إنسان وفي الميزان فيل