[ ص: 97 ] فصل ( في ، والنية ، والعزم ، والإرادة لها وما يعفى عنه من ذلك ) . ميل الطبع إلى المعصية
قال في الرعاية وميل الطبع إلى المعصية بدون قصدها ليس إثما فظاهر هذا أنه لو قصد المعصية أثم ، وإن لم يصدر منه فعل ، ولا قول .
وقال الشيخ تقي الدين : حديث النفس يتجاوز الله عنه إلى أن يتكلم فهو إذا صار نية وعزما وقصدا ولم يتكلم فهو معفو عنه .
وقال في موضع آخر : الإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور فإذا كان في القلب حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثابتا استلزم موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } . { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء } .
فهذا الالتزام أمر ضروري . ومن جهة ظن انتفاء اللازم غلط غالطون كما غلط آخرون في جواز وجود إرادة جازمة مع القدرة التامة بدون الفعل حتى تنازعوا هل يعاقب على الإرادة بلا عمل ؟ قال : وقد بسطنا ذلك وبينا أن الهمة التي لم يقرن بها فعل ما يقدر عليه الهام ليست إرادة جازمة وأن الإرادة الجازمة لا بد أن يوجد معها ما يقدر عليه العبد والعفو وقع عمن هم بسيئة ، ولم يعملها لا عمن أراد ، وفعل المقدور عليه وعجز عن قيام مراده كالذي أراد قتل صاحبه فقاتله حتى قتل أحدهما فإن هذا يعاقب ; لأنه أراد ، وفعل المقدور من المراد . هذا كلامه .
وفي عيون المسائل لابن شهاب العكبري هو العزم على الوطء . فإن قيل : العزم هو حديث النفس وذلك معفو [ ص: 98 ] عنه بقوله عليه السلام { العود الموجب للكفارة في الظهار } قيل : لا يوجب الكفارة بحديث النفس بانفراده وإنما يوجبها بالظهار بشرط العزم على الوطء انتهى كلامه . ما حدثت به أنفسها
وقال الخلاف في الصبي الشهيد : القاضي أبو يعلى معفو عنه ما لم يفعلها ، وجزم جماعة فيما إذا نية المعصية واعتقادها أنه يأثم على النية ويثاب عليها ، ولذلك مدح الله عز وجل الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض . وجاء النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله عز وجل ، والأمر بالتفكر في الآية ولو لم يكن مقدورا عليها لم يتعلق بها ذلك ، وأما هل يفطر بذلك إذا أنزل ؟ قال بعض أصحابنا أو أمذى الأشهر أنه لا يفطر وهو المروي عن فكر الصائم فأنزل رحمه الله تعالى وقول الجمهور منهم أحمد أبو حنيفة عملا بالأصل ولا نص فيه ، ولا إجماع ، وهو دون المباشرة وتكرار النظر على ما لا يخفى فيمتنع القياس عليهما . والشافعي
زاد صاحب المغني والمحرر ويخالف ذلك في التحريم إن تعلق بأجنبية ، زاد صاحب المغني أو الكراهة إن كان في زوجة ، كذا قالا ، ولا أظن من قال يفطر بذلك كأبي حفص البرمكي وهو مذهب وابن عقيل يسلم ذلك . مالك
وقد ذكر وجزم به في الرعاية الكبرى أظنه أول كتاب النكاح أنه لو ابن عقيل أنه يأثم ويتوجه أن يكون مراد صاحب المغني والمحرر نية محرمة تعلقت بأجنبية عارية عن فعل مع أن فيه نظرا . وأما في المغني فاحتج أولا على عدم الفطر بقوله { استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة } فظاهره أنه لا يأثم لكن حمله على أنه أراد بالخبر العفو في عدم الفطر أولى لما فيه من الموافقة ، والصواب وقد لا يشكل عليه قوله : يخالفه في التحريم إن تعلق بأجنبية ; لأن صاحب المحرر قد وافقه في هذا مع أنه لم يحتج بهذا الخبر ، ولا منع التأثيم والله سبحانه أعلم . عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل به