[ ص: 464 ] فصل ( في تزكية النفس المذمومة ومدحها بالحق للمصلحة أو شكر النعمة )
قال القاضي أبو يعلى رحمه الله في قصة يوسف عليه السلام يعني قوله : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } فيها دلالة على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه وأنه ليس من المحظور .
{ فلا تزكوا أنفسكم } .
وقال في الفنون سؤال عن قوله : { ابن عقيل : فلا تزكوا أنفسكم } .
كيف ساغ أن يزكي نفسه حين سأله رجل عن صيد قتله فقال : اصبر حتى يأت حكم آخر فيحكم لنفسه إنه أحد العدلين قيل : إنما نهى عن لعمر المورث عجبا وتيها ومرحا وما قصد تزكية النفس بالمدح والإطراء رضي الله عنه ذلك إنما قصد فصل حكم وهو من نفسه على ثقة من ذلك فصار كقوله عن الملائكة عليهم السلام : عمر
{ وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون } فدل على أنه لا يتناول إلا من أخرجه مخرج الافتخار .
ولذلك قال : { آدم ولا فخر } فنفى الفخر الذي هو الإعجاب انتهى كلامه . أنا سيد ولد
وقال ابن الجوزي : عن قصة يوسف عليه السلام : فإن قيل كيف مدح نفسه بهذا القول ومن شأن الأنبياء والصالحين التواضع ؟ فالجواب أنه لما خلا [ ص: 465 ] مدحه لنفسه من بغي وتكبر وكان مراده به الوصول إلى حق يقيمه ، وعدل يحييه وجور يبطله ، كان ذلك جميلا جائزا .
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : { آدم على ربه } . أنا أكرم ولد
وقال رضي الله عنه : والله ما آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار . علي بن أبي طالب
وقال رضي الله عنه : لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته فهذه الأشياء خرجت مخرج الشكر لله وتعريف المستفيد ما عند المفيد . ابن مسعود
ذكر هذا انتهى كلام محمد بن القاسم ابن الجوزي .
وفي الصحيحين عن رضي الله عنه قال : والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم حيث أنزلت وما من آية إلا وأنا أعلم فيما أنزلت ولو أعلم أحدا هو أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه . ابن مسعود
وفي الصحيحين عن شقيق بن سلمة عن : لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله ولو أعلم أن أحدا أعلم به مني لرحلت إليه قال ابن مسعود شقيق : فجلست في حلق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما سمعت أحدا يرد ذلك عليه ولا يعيبه زاد بعد قوله : بكتاب الله وما أنا بخيرهم . البخاري
وفي بعض طرقه من أعلمهم وفي ترجمة رضي الله عنه سلوني فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلا عظيما . أبي الدرداء
وقال لما حضرته الوفاة وبكت ابنته : يا بنية لا تبكي أتخافين أن يعذبني الله وقد ختمت في هذه الزاوية أربعة وعشرين ألف ختمة وقال أبو بكر بن عياش نظرت إلى أقرأ الناس فلزمته أبو بكر بن عياش ثم نظرت إلى أفقه الناس فلزمته عاصما مغيرة فأين تجد مثلي ؟
وقال ابن طاهر المقدسي الحافظ : سمعت أصحابنا بهراة يحكون أن [ ص: 466 ] أبا محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري قال : كنت أقرأ على أبي القاسم البغوي ببغداد فلما كان في بعض الأيام وكنت أقرأ عليه جزءا وقد وضع رأسه بين ركبتيه فرفع رأسه وقال : كأني بهم إذا مت يقولون : مات البغوي ولا يقولون : مات جبل العلم ، ثم وضع رأسه بين ركبتيه واستند فلما فرغت من قراءة الجزء قلت : كم قرأت عليك ؟ فلم يجبني فحركته فإذا به قد مات رحمه الله .