[ ص: 491 ] فصل الخلاف في استعمال الحرير بغير اللبس
ذكر الشيخ رحمه الله في كل كتبه أن موفق الدين محرم واستدل عليه بالأحاديث الواردة فيه ، وكذلك الشيخ لبس الحرير وافتراشه في الخلاصة قال يحرم استعمال الحرير لباسا وافتراشا قال هذا مع كونه هذب كلام وجيه الدين بن المنجى رحمه الله وكذا غيرهما من الأصحاب ولم يزيدوا على ذلك . أبي الخطاب
وظاهر هذا أن ستر الجدر والحيطان به كغيره من الساتر فيه الروايتان المشهورتان ، وإنه لا أثر لكونه حريرا وإن استعمال البقج وأكياس الحرير التي توضع الأثمان أو غيرها فيها ، والبقج التي توضع فيها الثياب واتخاذ مخدة الحرير للزينة وغير ذلك واستعماله من غير جلوس على ذلك والاستناد إليه ولا لبس له ولا تدثر به أن ذلك غير محرم .
وقطع الشيخ في شرح الهداية وجيه الدين والأزجي في النهاية بأنه لا يجوز وظاهره القطع بجواز الاستجمار به إذا نقي ; لأن المحرم بالنص اللبس ، وهذا ليس بلبس بل استعمال ولا يلزم من تحريم الاستعمال ; لأنه أسهل وأخف . الاستجمار بما لا ينقى كالحرير الناعم
وقوله : صلى الله عليه وسلم عن الذهب والحرير { } لا بد فيه من إضمار وإضمار اللبس أولى عن لفظه في بعض طرقه أنه عليه السلام أباح لباس الحرير والذهب للنساء ، وحرم ذلك على الرجال إسناده ثقات . هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها
وذكر في جملة الآثار الصحاح المروية في هذا الباب قال : والمراد بهذا الخطاب لباس الحرير ولباس الذهب دون الملك وسائر التصرف وبدليل سائر الأحاديث المصرحة باللبس ; ولأنه المعهود المعروف [ ص: 492 ] في استعمال الشارع ، والتعليل بالسرف والفخر والخيلاء ، وكسر قلوب الفقراء تعليل بالحكمة وفي جوازه خلاف مشهور على أنه منكسر بلبس الدواب والحرير . ابن عبد البر
وقال : يحرم استعمال الحرير في اللبس والافتراش وغير ذلك وقال في المستوعب ، فأما أبو الخطاب أحرارا كانوا أو عبيدا ، وسواء في ذلك لبسه وافتراشه والاستناد إليه والتقليد بشراريبه وجعله تككا في السراويلات وتعليقه ستورا وغير ذلك . الإبريسم فاستعماله حرام على الرجال دون النساء
وقال الشيخ في شرح الهداية فتمسك وجيه الدين رحمه الله في اختصاص التحريم باللباس بهذا الحديث يعني قوله صلى الله عليه وسلم { أبو حنيفة } قال : ولم يقس عليه التوسد والنوم عليه والادثار به والستور المعلقة ; لأنها دونه في الاستعمال ثم استدل الشيخ إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة على التحريم بالأحاديث المشهورة ، وقال : فهذه الأحاديث قد دلت بعمومها وخصوصها على التحريم مطلقا ولم يعين استعمالا مخصوصا فكان على عمومه في جميع أنواعه ، وإنما حرمت ; لأنها أنفس مال لأهل الدنيا فلبسها واستعمالها يكسب العجب والفخر والخيلاء ، وفيه كسر قلوب الفقراء والتشبه بالأعاجم وهو منهي عنه ، إلى أن قال : وسواء في الاستعمال بين اللبس والستور المعلقة والتكك في السراويلات والكمراناب ومياثر السروج والشراريب في الشعر لعموم التحريم ; ولأنه نوع استعمال واستخدام فيدخل تحت النهي انتهى كلامه . وجيه الدين
وذكر صاحب المختار من الحنفية أن الافتراش ونحوه لا يكره عند وعند أبي حنيفة أبي يوسف يكره انتهى كلامه وإباحة الافتراش ونحوه من مفردات ومحمد . [ ص: 493 ] أبي حنيفة
وذكر الشيخ في شرح الهداية أنه يحرم غير اللبس كافتراشه والاستناد إليه ونحوه واستدل عليه بالأحاديث منها قال : ودخل مجد الدين أبو أمامة رضي الله عنه على خالد بن يزيد فألقى له وسادة فظن أنها حرير فتنحى وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . لا يستمتع بالحرير من يرجو أيام الله
ورواه الإمام قال ففهم أحمد أبو أمامة دخول الافتراش في عمومه وقال أيضا لا يباح يسير الحرير مفردا كالتكة والشرابة ونحوهما نص عليه خلافالإسحاق بن راهويه ، وفهم ابن عبد القوي من كلامه هذا العموم فقال : ويدخل في عموم ذلك شرابة الدواة وسلك السبحة كما يفعله جهلة المتعبدة انتهى كلامه . والتمتع والاستمتاع بالشيء الانتفاع به والمتاع والمتعة لما ينتفع به .
لكن خبر أبي أمامة المذكور من رواية عن إسماعيل بن عياش أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الشامي وأبو بكر ضعيف بالاتفاق ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم ، وذكر غير واحد من أصحابنا أن الإمام رضي الله عنه نص على إباحة أحمد واتخاذه له ولو أبيح جعل غير المصحف فيه واتخاذه له لما خص المصحف بالذكر . جعل المصحف في كيس حرير
وعلل الآمدي مسألة المصحف بأنه يسير وفي ذلك تعظيم له وهذا من الآمدي يدل على تحريم الكثير لغير المصحف ، وتعليله صريح في إباحة اليسير المفرد كما هو مذهب إسحاق .
ومسألة كتاب الصداق في الحرير من حرمه يوافق هذا القول ; لأن التحريم لو اختص بجنس اللبس لم يحرم ، ومن لم يحرمه قد يوجهه بأنه بسبب المرأة ، والحرير مباح لها فلا يلزم منه موافقة القول الأول ، وقد يقال : يلزم منه الموافقة .
وقد بحث أصحابنا رحمهم الله في مسألة ، قالوا : ولأن اتخاذها يدعو إلى استعمالها ويفضي إليه غالبا فحرم كالخلوة بالأجنبية واقتناء الخمر ; ولأن ما حرم استعماله مطلقا حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالملاهي قالوا وتحريم الاستعمال عليه علته السرف والخيلاء ، وهي موجودة في الاتخاذ ، وهذا جار بظاهر في مسألتنا . اتخاذ آنية الذهب والفضة
ومن [ ص: 494 ] أصحابنا من ذكر هذا البحث ولم يزد ، ومنهم من ذكره وذكر في حجة المخالف أنه لا يلزم من تحريم الاستعمال تحريم الاتخاذ كما لو اتخذ الرجل ثياب الحرير ، وفرق بأن ثياب الحرير تباح للنساء وتباح للتجارة فيها . فقد ظهر مما تقدم أن لأصحابنا في استعمال الحرير في غير جنس اللبس اللغوي وجهين ، وأن في تحريم اتخاذ ما حرم استعماله للزينة ونحوها وجهين ، فأما على رواية إباحة اتخاذ آنية الذهب والفضة ، فهذا أولى ، وإن اختيار الآمدي إباحة يسير الحرير مفردا وقد أطلق بعض أصحابنا إباحة يسير الحرير وظاهره كقول الآمدي ومن أصحابنا من ذكر تحريم اللبس والافتراش ونحوهما من أنواع اللبس اللغوي وستر الجدر به ولم يزد على ذلك ، وقد عرف من ذلك حكم حركات الحرير والبشخانة والخيمة والاستنجاء بالحرير وما أشبه ذلك .