[ ص: 163 ] فصل ( في الإنكار على ) . من يخالف مذهبه بغير دليل
ومن التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بلا دليل ولا تقليد سائغ ولا عذر كذا ذكر في الرعاية هذه المسألة وذكر في موضع آخر : يلزم كل مقلد أن يلتزم بمذهب معين في الأشهر ولا يقلد غير أهله ، وقيل بلا ضرورة قال الشيخ تقي الدين رحمه الله بعد أن ذكر المسألة الأولى من كلام ابن حمدان رحمه الله هذا يراد به شيئان أحدهما أن من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله فإنه يكون متبعا لهواه عاملا بغير اجتهاد ولا تقليد فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي وهذا منكر . من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه
وهذا المعنى هو الذي أراد الشيخ نجم الدين ، وقد نص الإمام رضي الله عنه وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه مثل أن يكون طالبا لشفعة الجوار فيعتقد أنها حق له ثم إذا طلبت منه شفعة الجوار اعتقد أنها ليست ثابتة . أو مثل من يعتقد إذا كان أخا مع جد أن الإخوة تقاسم الجد ، فإذا صار جدا مع أخ اعتقد أن الجد لا يقاسم الإخوة . أحمد
وإذا كان له عدو يفعل بعض الأمور المختلف فيها كشرب النبيذ المختلف فيه ولعب الشطرنج وحضور السماع أن هذا ينبغي أن يهجر وينكر عليه ، فإذا فعل ذلك صديقه اعتقد أن ذلك من مسائل الاجتهاد التي لا تنكر ، فمثل هذا ممن يكون في اعتقاده حل الشيء وحرمته ووجوبه وسقوطه بحسب هواه وهو مذموم مجروح [ ص: 164 ] خارج عن العدالة .
وقد نص رضي الله عنه وغيره على أن هذا لا يجوز أما إذا تبين له رجحان قول على قول إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها أو يفهمها ، وإما بأن يرى أحد الرجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر وهو أتقى لله فيما يقوله فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا ، فهذا يجوز بل يجب وقد نص الإمام أحمد على ذلك . أحمد
وقال الشيخ تقي الدين في المسألة الثانية ؟ فيه وجهان لأصحاب العامي هل عليه أن يلتزم مذهبا معينا يأخذ بعزائمه ورخصه وهما وجهان لأصحاب أحمد ، والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا يوجبون له ذلك ، والذين يوجبونه يقولون إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه مادام ملتزما له أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام عنه . الشافعي
ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني مثل أن يلتمس مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك فهذا مما لا يحمد عليه بل يذم عليه في نفس الأمر ولو كان ما انتقل إليه خيرا مما انتقل عنه ، وهو بمنزلة من يسلم لا يسلم إلا لغرض دنيوي ، أو يهاجر من مكة إلى المدينة إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها .
قال وأما إن كان فهو مثاب على ذلك بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل عنه ولا يتبع أحدا في مخالفة الله ورسوله فإن الله فرض طاعة رسوله على كل أحد في كل حال قال انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني فيمن خالف مذهبه ينكر عليه وإن جاز أن يختلف اجتهاده الأول لأن الظاهر بقاؤه عليه وإلا أظهره لينفي عنه الظن والشبهة كما ينكر على من أكل في رمضان أو طعام غيره وإن جاز أن يكون هناك عذر قال وإن علمنا من حال العامي أنه قلد من يسوغ اجتهاده لم ينكر عليه وإلا أنكرنا لأنه لا يجوز له العمل بما عنده كذا قال ، والأولى أنا لا ننكر إلا مع العلم أنه لا يقلد مع الظن فيه نظر . القاضي
وقد قال في معتقده ومن لم يعلم أن الفعل الواقع من أخيه المسلم جائز [ ص: 165 ] في الشرع أم غير جائز فلا يحل له أن يأمر ولا ينهى وكذا ذكر ابن عقيل . وقد قال صاحب المحرر وغيره عقب حديث القاضي إن ناسا يأتوننا باللحم لا ندري أسموا عليه أم لا قال : { عائشة } . سموا أنتم عليه وكلوا
قالوا : وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد .