[ ص: 98 ] ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة  
ففيها غزا مسلمة بن هشام بن عبد الملك  الروم  فافتتح بها مطامير   وغزا مروان بن محمد  بلاد صاحب الذهب  فافتتح قلاعه  ، وخرب أرضه ، فأذعن له بالجزية في كل سنة بألف رأس يؤديها إليه ، وأعطاه رهنا على ذلك . 
وفيها في صفر قتل  زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب  الذي تنتسب إليه الطائفة الزيدية   في قول الواقدي    . 
وقال  هشام بن الكلبي    : إنما قتل في صفر من سنة ثنتين وعشرين . فالله أعلم . 
وقد ساق محمد بن جرير  سبب مقتله ، في هذه السنة تبعا  للواقدي  وهو أن زيدا  وفد على يوسف بن عمر  فسأله : هل أودع خالد القسري  عندك مالا ؟ فقال له زيد بن علي    : كيف يودعني مالا وهو يشتم آبائي على منبره في   [ ص: 99 ] كل جمعة؟ ! فأحلفه أنه ما أودع عنده شيئا ، فأمر يوسف بن عمر  بإحضار  خالد بن عبد الله القسري  من السجن ، فجيء به في عباءة ، فقال : أنت أودعت هذا شيئا نستخلصه منه ؟ قال : لا ، وكيف وأنا أشتم آباءه كل جمعة؟ ! فتركه يوسف بن عمر  وأعلم أمير المؤمنين بذلك ، فعفا عن ذلك ، ويقال : بل استحضرهم فحلفوا بما حلفوا . 
ثم إن طائفة من الشيعة  التفت على زيد بن علي  وكانوا نحوا من أربعين ألفا ، فنهاه بعض النصحاء عن الخروج ، وهو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب  وقال له : إن جدك خير منك ، وقد التفت على بيعته من أهل العراق  ثمانون ألفا ، ثم خانوه أحوج ما كان إليهم ، وإني أحذرك من أهل العراق    . فلم يقبل بل استمر يبايع الناس في الباطن بالكوفة  على كتاب الله وسنة رسوله ، حتى استفحل أمره بها في الباطن ، وهو يتحول من منزل إلى منزل ، وما زال كذلك حتى دخلت سنة ثنتين وعشرين ومائة ، فكان فيها مقتله ، كما سنذكره قريبا . 
وفيها غزا نصر بن سيار  أمير خراسان   غزوات متعددة في الترك  وأسر ملكهم كورصول  في بعض تلك الحروب ، وهو لا يعرفه ، فلما تيقنه وتحققه ، سأل منه كورصول  أن يطلقه على أن يرسل له ألف بعير من إبل الترك    - وهي   [ ص: 100 ] البخاتي - وألف برذون ، وهو مع ذلك شيخ كبير جدا ، فشاور نصر  من بحضرته من الأمراء في ذلك ، فمنهم من أشار بإطلاقه . ثم سأله نصر بن سيار :  كم غزوت من غزوة ؟ فقال : ثنتين وسبعين غزوة . فقال له نصر    : ما مثلك يطلق وقد شهدت هذا كله . ثم أمر به ، فضربت عنقه وصلبه ، فلما بلغ ذلك جيشه من قتله باتوا تلك الليلة يجعرون ويبكون عليه ، وجذوا لحاهم وشعورهم ، وقطعوا آذانهم ، وحرقوا خياما كثيرة ، وقتلوا أنعاما كثيرة ، فلما أصبح أمر نصر  بإحراقه لئلا يأخذوا جثته ، فكان ذلك أشد عليهم من قتله ، وانصرفوا خائبين صاغرين خاسئين ، ثم كر نصر  على بلادهم ، فقتل منهم خلقا كثيرا ، وأسر أمما لا يحصون كثرة ، وكان فيمن حضر بين يديه عجوز كبيرة جدا من الأعاجم  أو الأتراك  وهي من بيت مملكة ، فقالت لنصر بن سيار    : كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك ; وزير صادق يفصل خصومات الناس ، ويشاوره ويناصحه ، وطباخ يصنع له ما يشتهيه ، وزوجة حسناء إذا دخل عليها مغتما فنظر إليها سرته وذهب غمه ، وحصن منيع إذا فزع رعاياه لجئوا إليه ، وسيف إذا قارع به الأقران لم يخش خيانته ، وذخيرة إذا حملها فأينما وقع من الأرض عاش بها . 
وحج بالناس فيها محمد بن هشام بن إسماعيل  نائب مكة  والمدينة  والطائف   ، ونائب العراق  يوسف بن عمر   ، ونائب خراسان  نصر بن سيار   ، وعلى إرمينية  مروان بن محمد     . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					