[ ص: 519 ] ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة 
فيها حصر المقنع الزنديق  الذي كان قد نبغ بخراسان  وقال بالتناسخ ،  واتبعه على جهالته وضلالته خلق من الطغام وسفهاء الأنام ، والسفلة من العوام ، ومنعوه من الجنود في ذلك العام ، فلما كان في هذه السنة لجأ إلى قلعة كش  ، فحاصره سعيد الحرشي  فألح عليه في الحصار ، فلما أحس بالغلبة تحسى سما وسم نساءه ، فماتوا جميعا ، عليهم لعائن الله . ودخل الجيش الإسلامي قلعته ، فاحتزوا رأسه ، وبعثوا به إلى المهدي ،  وكان المهدي  حين جاءه رأس المقنع  بحلب    . 
قال ابن خلكان :  المقنع الخراساني  قيل : اسمه عطاء    . وقيل : حكيم    . والأول أشهر ، وكان أولا قصارا ، ثم ادعى الربوبية ، مع أنه كان أعور قبيح المنظر ، وكان يتخذ له وجها من ذهب ، واتبعه على جهالته خلق كثير من   [ ص: 520 ] الجهلة ، وكان يري الناس قمرا يرى من مسيرة شهرين ، ثم يغيب ، فعظم اعتقادهم فيه ، ومنعوه بالسلاح ، وكان يزعم - لعنه الله ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا - أن الله ظهر في صورة آدم ،  ولهذا سجدت له الملائكة ، ثم في نوح ،  ثم في الأنبياء واحدا واحدا ، ثم تحول إلى  أبي مسلم الخراساني ،  ثم تحول إليه ، ولما حاصره المسلمون في قلعته التي كان جددها بناحية كش  مما وراء النهر ، ويقال لها : سنام    . سقى نساءه وأهله سما ، وتحسى هو أيضا منه ، فماتوا كلهم - لعنهم الله أجمعين - واستحوذ المسلمون على حواصله وأمواله كلها . 
وفيها جهز المهدي  البعوث من خراسان  وغيرها من البلاد لغزو الروم ،   وأمر على الجميع ولده  هارون الرشيد ،  وخرج من بغداد  مشيعا له ، فسار معه مراحل ، واستخلف على بغداد  ولده  موسى الهادي ،  وكان في هذا الجيش الحسن بن قحطبة ،  والربيع الحاجب ،   وخالد بن برمك ،  وهو مثل الوزير للرشيد  ولي العهد ، ويحيى بن خالد ،  وهو كاتبه وإليه النفقات . وما زال المهدي  مع ولده مشيعا له حتى بلغ درب الروم  عند جيحان  ، وارتاد هناك المدينة المسماة بالمهدية  في بلاد الروم ،  ثم رجع إلى الشام  ، وزار بيت المقدس  ، فسار الرشيد  إلى بلاد الروم  في جحافل عظيمة ، ففتح الله عليهم فتوحات كثيرة ، وغنموا أموالا جزيلة جدا ، وكان  لخالد بن برمك  في ذلك أثر جميل لم يكن لغيره ، وبعثوا   [ ص: 521 ] بالبشارة مع سليمان بن برمك  إلى المهدي ،  فأكرمه المهدي  وأجزل عطاءه . 
وفيها عزل المهدي  عمه عبد الصمد بن علي  عن الجزيرة  ، وولى عليها زفر بن عاصم الهلالي ،   ثم عزله وولى عبد الله بن صالح بن علي    . 
وفيها ولى المهدي  ولده  هارون الرشيد  بلاد المغرب  وأذربيجان  وأرمينية ،   وجعل على رسائله  يحيى بن خالد بن برمك ،  وولى وعزل جماعة من النواب ، وحج بالناس فيها علي ابن المهدي    . 
وفيها توفي  إبراهيم بن طهمان ،   وحريز بن عثمان الرحبي الحمصي ،   وموسى بن علي اللخمي المصري ،   وشعيب بن أبي حمزة ،  وعيسى بن علي بن عبد الله بن عباس   عم السفاح  والمنصور ،  وإليه ينسب قصر عيسى ، ونهر عيسى ببغداد ،  قال  يحيى بن معين :  كان له مذهب جميل ، وكان معتزلا للسلطان . توفي في هذه السنة عن ثمان وسبعين سنة .  وهمام بن يحيى ،   [ ص: 522 ]  ويحيى بن أيوب المصري    . وعبيدة بنت أبي كلاب  العابدة ، بكت من خشية الله أربعين سنة حتى عميت . وكانت تقول : أشتهي الموت ، فإني أخشى أن أجني على نفسي جناية تكون سبب هلاكي يوم القيامة . 
				
						
						
