كان هذا الرجل مجاهرا بالفواحش مصرا عليها ، منتهكا محارم الله ، عز وجل ، لا يتحاشى من معصية ، وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين . فالله أعلم . لكن الذي يظهر أنه كان عاصيا شاعرا ماجنا متعاطيا للمعاصي ، لا يتحاشى بها من أحد ولا يستحي من أحد قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي .
وقد روي أن أخاه سليمان كان من جملة من سعى في قتله ، قال : أشهد - بعدا له - أنه كان شروبا للخمر ماجنا فاسقا ، ولقد أرادني على نفسي الفاسق .
وحكى المعافى بن زكريا ، عن ابن دريد ، عن أبي حاتم ، عن العتبي أن [ ص: 171 ] الوليد بن يزيد نظر إلى نصرانية من حسان نساء النصارى اسمها سفرى فأحبها ، فبعث إليها يراودها عن نفسها ، فأبت عليه ، فألح عليها ، وعشقها ، فلم تطاوعه ، فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم ، فذهب الوليد إلى بستان هناك ، فتنكر وأظهر أنه مصاب ، فخرج النساء من الكنيسة إلى البستان ، فرأينه فأحدقن به ، فجعل يكلم سفرى ويمازحها وتضاحكه ولا تعرفه ، حتى اشتفى من النظر إليها ، فلما انصرفت قيل لها : ويحك ! أتدرين من هذا الرجل ؟ فقالت : لا . فقيل لها : هو الوليد . فلما تحققت ذلك حنت عليه بعد ذلك ، وكانت عليه أحرص منه عليها . فقال الوليد في ذلك :
أضحى فؤادك يا وليد عميدا صبا قديما للحسان صيودا من حب واضحة العوارض طفلة
برزت لنا نحو الكنيسة عيدا ما زلت أرمقها بعيني وامق
حتى بصرت بها تقبل عودا عود الصليب فويح نفسي من رأى
منكم صليبا مثله معبودا فسألت ربي أن أكون مكانه
وأكون في لهب الجحيم وقودا
ألا حبذا سفرى وإن قيل إنني كلفت بنصرانية تشرب الخمرا
[ ص: 172 ] يهون علي أن نظل نهارنا إلى الليل لا أولى نصلي ولا عصرا
وروى بسنده أن ابن عساكر الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة ، فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر وهو راكب على فرسه ، ومعه اثنان من أصحابه ، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار .
وقال القاضي أبو الفرج : أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريون مجموعة ومفردة ، وقد جمعت شيئا من سيره وآثاره ، ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه وسفاهته ، وحمقه وهزله ، ومجونه وسخافة دينه ، وما صرح به من الإلحاد في القرآن العزيز ، والكفر بمن أنزله وأنزل عليه ، وقد عارضت شعره السخيف بشعر حصيف ، وباطله بحق نبيه شريف ، وتوخيت رضاء الله ، عز [ ص: 173 ] وجل ، واستيجاب مغفرته .
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : ثنا سليمان بن أبي شيخ ، ثنا صالح بن سليمان قال : أراد الوليد بن يزيد الحج ، وقال : أشرب فوق ظهر الكعبة . فهم قوم أن يفتكوا به إذا خرج ، فجاءوا إلى خالد بن عبد الله القسري فسألوه أن يكون معهم فأبى ، فقالوا له : فاكتم علينا . فقال : أما هذا فنعم . فجاء إلى الوليد فقال له : لا تخرج ، فإني أخاف عليك . فقال : ومن هؤلاء الذين تخافهم علي ؟ قال : لا أخبرك بهم . قال : إن لم تخبرني بهم بعثت بك إلى يوسف بن عمر . قال : وإن بعثت بي إلى يوسف . فبعثه إلى يوسف فعذبه حتى قتله .
وذكر ابن جرير أنه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ، ثم سلمه إلى يوسف بن عمر يستخلص منه أموال العراق فقتله . وقد قيل : إن يوسف لما وفد إلى الوليد اشترى منه بخمسين ألف ألف يخلصها منه ، فما زال يعاقبه ، ويستخلص منه حتى قتله ، فغضب خالد بن عبد الله القسري أهل اليمن من قتله ، وخرجوا على الوليد .
وقال الزبير بن بكار : حدثنا مصعب بن عبد الله قال : سمعت أبي يقول : [ ص: 174 ] كنت عند المهدي فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل في المجلس : كان زنديقا . فقال المهدي : خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق .
وقال أحمد بن عمير بن جوصاء الدمشقي : ثنا عبد الرحمن بن الحسن ، ثنا ، ثنا الوليد بن مسلم حصين بن الوليد عن الأزهري بن الوليد قال : سمعت تقول : إذا قتل الخليفة الشاب من أم الدرداء بني أمية بين الشام والعراق مظلوما ، لم تزل طاعة مستخفا بها ، ودم مسفوكا على وجه الأرض بغير حق .
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري :