أبو الحسن الأسدي مولاهم ، الكوفي علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز
المعروف بالكسائي ; لإحرامه في كساء ، وقيل : لاشتغاله على حمزة الزيات في كساء . النحوي اللغوي أحد أئمة القراء ، أصله من الكوفة ، ثم استوطن بغداد ، فأدب الرشيد وولده الأمين ، وقد قرأ على قراءته ، وكان يقرئ بها ، ثم اختار لنفسه قراءة ، فكان يقرأ بها . حمزة بن حبيب الزيات
روى عن أبي بكر بن عياش وغيرهما ، وعنه وسفيان بن عيينة يحيى بن زياد الفراء وأبو عبيد .
وقد قال : من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الشافعي الكسائي .
[ ص: 670 ] وقد كان الكسائي أخذ عن الخليل صناعة النحو ، فسأله يوما : عمن أخذت هذا؟ قال : من بوادي الحجاز . فرحل الكسائي إلى هناك ، فكتب عن العرب شيئا كثيرا ، ثم عاد - ومن همته العود - إلى الخليل ، فإذا هو قد مات ، وتصدر في موضعه يونس ، فجرت بينهما مناظرات أقر له فيها يونس وأجلسه في موضعه .
قال الكسائي : صليت يوما بالرشيد ، فأعجبتني قراءتي ، فغلطت غلطة ما غلطها صبي ، أردت أن أقول : لعلهم يرجعون [ الأعراف : 168 ] . فقلت : لعلهم يرجعين . فما تجاسر الرشيد أن يردها ، لكن لما سلمت قال : أي لغة هذه؟ فقلت : إن الجواد قد يعثر . فقال : أما هذا فنعم .
وقال بعضهم : لقيت الكسائي فإذا هو مهموم ، فقلت : ما لك؟ فقال : إن يحيى بن خالد قد وجه إلي يسألني عن أشياء ، فأخشى من الخطأ . فقلت له : قل ما شئت فأنت الكسائي . فقال : قطعه الله - يعني لسانه - إن قلت ما لم أعلم .
وقال الكسائي : قلت يوما لنجار : بكم هذان البابان؟ فقال : بسلحتان يا مصفعان .
توفي الكسائي في هذه السنة على المشهور ، عن سبعين سنة . وكان في [ ص: 671 ] صحبة الرشيد ببلاد الري ، فمات بنواحيها هو ومحمد بن الحسن أيضا في يوم واحد ، فكان الرشيد يقول : دفنت الفقه والعربية بالري .
قال القاضي ابن خلكان : وقيل : إن الكسائي توفي بطوس سنة ثنتين وثمانين ومائة . فالله أعلم .
وقد رأى بعضهم الكسائي في المنام ووجهه كالبدر ، فقال له : ما فعل ربك بك ؟ فقال : غفر لي بالقرآن . فقلت : ما فعل حمزة ؟ قال : ذاك في عليين ، ما نراه إلا كما نرى الكوكب .
محمد بن الحسن بن فرقد أبو عبد الله الشيباني مولاهم ، صاحب أبي حنيفة ، أصله من قرية من قرى دمشق ، قدم أبوه العراق ، فولد بواسط سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، ونشأ بالكوفة ، فسمع من أبي حنيفة ، ومسعر ، والثوري ، وعمر بن ذر ، وكتب عن ، ومالك بن مغول مالك بن أنس ، والأوزاعي ، وسكن ، وأبي يوسف بغداد وحدث بها ، وكتب عنه حين قدمها في سنة أربع وثمانين ومائة وقر بعير ، وولاه الشافعي الرشيد قضاء الرقة ، ثم عزله وخرج مع الرشيد إلى الري فمات بها .
[ ص: 672 ] وكان يقول لأهله : لا تسألوني حاجة من حاجات الدنيا فتشغلوا قلبي ، وخذوا ما شئتم من وكيلي ، فإنه أقل لهمي وأفرغ لقلبي . وقال ما رأيت حبرا سمينا مثله ، ولا رأيت أخف روحا منه ، ولا أفصح منه ، كنت إذا سمعته يقرأ كأن القرآن نزل بلغته . الشافعي :
وقال أيضا : ما رأيت أعقل من محمد بن الحسن ، كان يملأ العين والقلب .
قال : كان الطحاوي قد طلب من الشافعي محمد بن الحسن كتاب السير ، فلم يجبه إلى الإعارة ، فكتب إليه :
قل للذي لم تر عي نا من رآه مثله حتى كأن من رآه
قد رأى من قبله العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله
لعله يبذله لأهله لعله
وقال قلت إبراهيم الحربي : هذه المسائل [ ص: 673 ] الدقاق من أين هي لك؟ قال : من كتب لأحمد بن حنبل محمد بن الحسن .
وكانت وفاة محمد بن الحسن في يوم واحد من هذه السنة ، فقال والكسائي الرشيد : دفنت اليوم اللغة والفقه جميعا . وكان عمر محمد بن الحسن ثمانيا وخمسين سنة .