[ ص: 200 ] ثم دخلت سنة ست عشرة ومائتين
فيها عدا ملك الروم وهو توفيل بن ميخائيل فقتل جماعة من المسلمين في أرض طرسوس ؛ نحوا من ألف وستمائة إنسان ، ويقال : إنه أيضا كتب إلى المأمون فبدأ بنفسه فلما قرأ المأمون كتابه نهض من فوره ، فركب في الجيوش إلى بلاد الروم عودا على بدء ، وصحبته أخوه أبو إسحاق بن الرشيد نائب الشام ومصر ، فافتتح بلدانا كثيرة صلحا وعنوة ، وافتتح أخوه ثلاثين حصنا ، المأمون في سرية إلى يحيى بن أكثم طوانة فافتتح بلادا كثيرة ، وأسر خلقا من الذراري وغيرهم ، وقتل خلقا من وبعث الروم ، وحرق حصونا عدة ، ثم عاد سالما مؤيدا إلى العسكر . وأقام المأمون ببلاد الروم من نصف جمادى الآخرة إلى نصف شعبان ، ثم عاد إلى دمشق وقد وثب رجل يقال له : عبدوس الفهري في شعبان من هذه السنة ببلاد مصر ، فتغلب على نواب أبي إسحاق بن الرشيد ، وقويت شوكته ، واتبعه خلق كثير ، فركب المأمون من دمشق يوم الأربعاء لأربع عشرة خلت من ذي الحجة إلى الديار المصرية ، فكان من أمره ما سنذكره .
[ ص: 201 ] وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد وما والاها من البلاد ، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقيب الصلوات الخمس فكان أول ما بدئ به في جامع المدينة والرصافة يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان ، أنهم لما قضوا الصلاة قام الناس قياما فكبروا ثلاث تكبيرات ، ثم استمروا على ذلك في بقية الصلوات ، وهذه بدعة أحدثها المأمون بلا مستند ولا دليل ولا معتمد فإن هذا لم يفعله قبله أحد ولكن ثبت في " " الصحيح " " عن ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينصرف الناس من المكتوبة . وقد استحب هذا طائفة من العلماء وغيره . وقال كابن حزم ابن بطال : المذاهب الأربعة وغيرهم على عدم استحبابه . قال النووي : وقد روي عن أنه قال : إنما كان ذلك ليعلم الناس أن الذكر بعد الصلوات مشروع ، فلما علم ذلك لم يبق للجهر معنى . وهذا كما روي عن الشافعي ابن عباس أنه كان يجهر بالفاتحة في صلاة الجنازة ليعلم الناس أنها سنة ، ولهذا نظائر ، والله أعلم .
[ ص: 202 ] وأما هذه البدعة التي أمر بها المأمون ؛ فإنها بدعة محدثة لم يعمل بها أحد من السلف .
وفيها وقع برد شديد جدا . وفيها حج بالناس الذي حج بهم في العام الماضي ، وقيل : غيره . والله أعلم .