في رمضان منها الواثق على أشناس الأمير وتوجه وألبسه وشاحين من جوهر . خلع الخليفة
وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود الأمير . وغلا السعر على الناس في طريق مكة جدا ، وأصابهم حر شديد ، وهم بعرفة ثم برد شديد ، ومطر عظيم في ساعة واحدة ، ونزل عليهم وهم بمنى مطر لم ير مثله ، وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت جماعة من الحجاج .
قال ابن جرير وفيها مات أبو الحسن المدائني في منزل إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، وحبيب بن أوس الطائي أبو تمام الشاعر .
قلت : أما أبو الحسن علي بن محمد المدائني أحد أئمة هذا الشأن ، وإمام الأخباريين في زمانه ، فتقدم ذكر وفاته قبل هذه السنة ، والله أعلم .
أما أبو تمام الطائي الشاعر : صاحب الحماسة التي جمعها في [ ص: 297 ] فصل الشتاء بهمذان في دار وزيرها ، فهو حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشج بن يحيى بن مرينا بن سهم بن خلجان بن مروان بن دفافة بن مر بن سعد بن كاهل بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحارث بن طيئ ، وهو جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو تمام الطائي الشاعر الأديب المشهور .
ونقل الخطيب ، عن محمد بن يحيى الصولي أنه حكى عن بعض الناس أنهم قالوا : فسماه أبو تمام حبيب بن تدرس النصراني ، أبو تمام أوسا بدل تدرس . قال ابن خلكان وأصله من قرية جاسم من عمل الجيدور بالقرب [ ص: 298 ] من طبرية وكان بدمشق يعمل عند حائك ثم سار إلى مصر في شبيبته ، وابن خلكان أخذ ذلك من " " تاريخ " " ، وقد ترجم الحافظ ابن عساكر أبا تمام ترجمة حسنة . وقال وهو شامي الأصل ، وكان الخطيب ، البغدادي بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع ثم جالس الأدباء فأخذ عنهم وتعلم منهم ، وكان فطنا فهما ، وكان يحب الشعر ، فلم يزل يعانيه حتى قال الشعر فأجاد ، وشاع ذكره ، وسار شعره وبلغ المعتصم خبره فحمله إليه وهو بسر من رأى فعمل فيه قصائد ، فأجازه المعتصم وقدمه على شعراء وقته ، فقدم بغداد فجالس الأدباء ، وعاشر العلماء ، وكان موصوفا بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس ، وقد روى عنه أحمد بن أبي طاهر وغيره أخبارا مسندة .
قال القاضي ابن خلكان : كان يحفظ أربع عشرة ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع ، وغير ذلك . وكان يقال : في طيئ ثلاثة : حاتم في كرمه ، في زهده ، وداود الطائي وأبو تمام في شعره ، قلت : وقد كان الشعراء في زمانه جماعة ؛ فمن مشاهيرهم أبو الشيص ودعبل بن علي ، وابن أبي قيس ، وقد كان أبو تمام من خيارهم دينا وأدبا وأخلاقا . ومن رقيق شعره قوله :
[ ص: 299 ]
يا حليف الندى ويا توءم الجو د ويا خير من حبوت القريضا ليت حماك بي وكان لك الأج
ر فلا تشتكي وكنت المريضا
وكانت وفاته بالموصل ، وبنيت على قبره قبة ، وحكى الصولي عن الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات أنه قال يرثيه :
نبأ أتى من أعظم الأنباء لما ألم مقلقل الأحشاء
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ناشدتكم لا تجعلوه الطائي
فجع القريض بخاتم الشعراء وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معا فتجاورا في حفرة وكذاك كانا قبل في الأحياء
إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس
لا تنكروا ضربي له من دونه مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلا من المشكاة والنبراس
[ ص: 301 ]
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا هلكن إذا من جهلهن البهائم
ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد ولا المجد في كف امرئ والدراهم
وما أنا بالغيران من دون عرسه إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم
طبيب فؤادي مذ ثلاثين حجة ومذهب همي والمفرج للغم