[ ص: 302 ] ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين
في هذه السنة
nindex.php?page=treesubj&link=33800_33765أمر nindex.php?page=showalam&ids=15465الواثق بالله بضرب الدواوين ، واستخلاص الأموال منهم ، فمنهم من ضرب ألف سوط ، ومنهم من أخذ منه ألف ألف دينار ، ودون ذلك ، وجاهر الوزير
محمد بن عبد الملك لسائر ولاة الشرط بالعداوة فكشفوا ، وحبسوا ، ولقوا جهدا عظيما وجلس
إسحاق بن إبراهيم للنظر في أمرهم ، وأقيموا للناس ، وافتضحوا فضيحة بليغة ، وكان سبب ذلك أن
الواثق جلس ليلة في دار الخلافة فسمر عنده ، فقال : هل منكم أحد يعرف سبب عقوبة جدي
الرشيد للبرامكة ؟ فقال بعض الحاضرين : نعم يا أمير المؤمنين ، كان سبب ذلك أن
الرشيد عرضت عليه جارية ، فأعجبه جمالها ، فساوم سيدها فيها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني أقسمت بكل يمين أن لا
[ ص: 303 ] أبيعها بأقل من مائة ألف دينار ، فاشتراها منه بها ، وبعث إلى
يحيى بن خالد الوزير ليبعث بها إليه من بيت المال ، فاعتل بأنها ليست عنده فأرسل
الرشيد يؤنبه ، ويقول : أليس في بيت مالي مائة ألف دينار ؟ ! وألح في طلبها ، فقال
يحيى بن خالد : أرسلوها إليه دراهم ليستكثر ذلك ، ولعله يرد الجارية . فبعثوا بمائة ألف دينار دراهم ، ووضعوها في طريق
الرشيد ، وهو خارج إلى الصلاة ، فلما اجتاز بها رأى كوما من دراهم . فقال : ما هذا ؟ قالوا : ثمن الجارية . فاستكثر ذلك ، وأمر بخزنها عند بعض خدمه في دار الخلافة ، وأعجبه جمع المال في حواصله ، ثم شرع في تتبع أموال بيت المال فإذا
البرامكة قد استهلكوه ، فجعل يهم بأخذهم تارة ويحجم أخرى ، حتى كان في بعض الليالي سمر عنده رجل يقال له :
أبو العود . فأطلق له ثلاثين ألف درهم فذهب إلى الوزير
nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيى بن خالد بن برمك ، فماطله بها مدة طويلة ، فلما كان في بعض الليالي في السمر عرض
أبو العود في ذلك
للرشيد بقول
عمر بن أبي ربيعة :
وعدت هند وما كادت تعد ليت هندا أنجزتنا ما تعد واستبدت مرة واحدة
إنما العاجز من لا يستبد
فجعل
الرشيد يكرر قوله :
إنما العاجز من لا يستبد
[ ص: 304 ] ويعجبه ذلك ، فلما كان الصباح دخل عليه
يحيى بن خالد ، فأنشده
الرشيد هذين البيتين ، وهو يستحسنهما ففهم ذلك
يحيى بن خالد ، وخاف ، وسأل عن من أنشد ذلك
للرشيد ؟ فقيل له :
أبو العود . فبعث إليه فأنجز له الثلاثين ألفا ، وأعطاه من عنده عشرين ألفا ، وكذلك ولداه
الفضل ، وجعفر ، فما كان عن قريب حتى أخذ
الرشيد البرامكة ، وكان من أمره وأمرهم ما كان .
فلما سمع ذلك
الواثق أعجبه ذلك ، وجعل يكرر قول الشاعر :
إنما العاجز من لا يستبد
ثم بطش بالكتاب على إثر ذلك ، وأخذ منهم أموالا عظيمة جدا .
وحج بالناس في هذه السنة
محمد بن داود ، وهو أمير الحجيج في السنين الماضية .
[ ص: 302 ] ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33800_33765أَمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=15465الْوَاثِقُ بِاللَّهِ بِضَرْبِ الدَّوَّاوِينِ ، وَاسْتِخْلَاصِ الْأَمْوَالِ مِنْهُمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ ضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ أَلْفُ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَدُونَ ذَلِكَ ، وَجَاهَرَ الْوَزِيرُ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِسَائِرِ وُلَاةِ الشُّرَطِ بِالْعَدَاوَةِ فَكُشِفُوا ، وَحُبِسُوا ، وَلَقُوا جَهْدًا عَظِيمًا وَجَلَسَ
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمْ ، وَأُقِيمُوا لِلنَّاسِ ، وَافْتُضِحُوا فَضِيحَةً بَلِيغَةً ، وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ
الْوَاثِقَ جَلَسَ لَيْلَةً فِي دَارِ الْخِلَافَةِ فَسُمِرَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ : هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَعْرِفُ سَبَبَ عُقُوبَةِ جَدِّي
الرَّشِيدِ لِلْبَرَامِكَةِ ؟ فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ
الرَّشِيدَ عُرِضَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ ، فَأَعْجَبَهُ جَمَالُهَا ، فَسَاوَمَ سَيِّدَهَا فِيهَا ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي أَقْسَمْتُ بِكُلِّ يَمِينٍ أَنْ لَا
[ ص: 303 ] أَبِيعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ، فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ بِهَا ، وَبَعَثَ إِلَى
يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ الْوَزِيرِ لِيَبْعَثَ بِهَا إِلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ فَأَرْسَلَ
الرَّشِيدُ يُؤَنِّبُهُ ، وَيَقُولُ : أَلَيْسَ فِي بَيْتِ مَالِي مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ ؟ ! وَأَلَحَّ فِي طَلَبِهَا ، فَقَالَ
يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ : أَرْسِلُوهَا إِلَيْهِ دَرَاهِمَ لِيَسْتَكْثِرَ ذَلِكَ ، وَلَعَلَّهُ يَرُدُّ الْجَارِيَةَ . فَبَعَثُوا بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ دَرَاهِمَ ، وَوَضَعُوهَا فِي طَرِيقِ
الرَّشِيدِ ، وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهَا رَأَى كَوْمًا مِنْ دَرَاهِمَ . فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : ثَمَنُ الْجَارِيَةِ . فَاسْتَكْثَرَ ذَلِكَ ، وَأَمَرَ بِخَزْنِهَا عِنْدَ بَعْضِ خَدَمِهِ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ ، وَأَعْجَبَهُ جَمْعُ الْمَالِ فِي حَوَاصِلِهِ ، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَتَبُّعِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِذَا
الْبَرَامِكَةُ قَدِ اسْتَهْلَكُوهُ ، فَجَعَلَ يَهُمُّ بِأَخْذِهِمْ تَارَةً وَيُحْجِمُ أُخْرَى ، حَتَّى كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي سَمَرَ عِنْدِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ :
أَبُو الْعُودِ . فَأَطْلَقَ لَهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَذَهَبَ إِلَى الْوَزِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=17312يَحْيَى بْنِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ ، فَمَاطَلَهُ بِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي فِي السَّمَرِ عَرَّضَ
أَبُو الْعُودِ فِي ذَلِكَ
لِلرَّشِيدِ بِقَوْلِ
عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ :
وَعَدَتْ هِنْدٌ وَمَا كَادَتْ تَعِدْ لَيْتَ هِنْدًا أَنْجَزَتْنَا مَا تَعِدْ وَاسْتَبَدَّتْ مَرَّةً وَاحِدَةً
إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدْ
فَجَعَلَ
الرَّشِيدُ يُكَرِّرُ قَوْلَهُ :
إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدْ
[ ص: 304 ] وَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ ، فَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ دَخَلَ عَلَيْهِ
يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ ، فَأَنْشَدَهُ
الرَّشِيدُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ ، وَهُوَ يَسْتَحْسِنُهُمَا فَفَهِمَ ذَلِكَ
يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ ، وَخَافَ ، وَسَأَلَ عَنْ مَنْ أَنْشَدَ ذَلِكَ
لِلرَّشِيدِ ؟ فَقِيلَ لَهُ :
أَبُو الْعُودِ . فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَأَنْجَزَ لَهُ الثَّلَاثِينَ أَلْفًا ، وَأَعْطَاهُ مِنْ عِنْدِهِ عِشْرِينَ أَلْفًا ، وَكَذَلِكَ وَلَدَاهُ
الْفَضْلُ ، وَجَعْفَرٌ ، فَمَا كَانَ عَنْ قَرِيبٍ حَتَّى أَخَذَ
الرَّشِيدُ الْبَرَامِكَةَ ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ مَا كَانَ .
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ
الْوَاثِقُ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ ، وَجَعَلَ يُكَرِّرُ قَوْلَ الشَّاعِرِ :
إِنَّمَا الْعَاجِزُ مَنْ لَا يَسْتَبِدْ
ثُمَّ بَطَشَ بِالْكُتَّابِ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ أَمْوَالًا عَظِيمَةً جِدًّا .
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ
مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ ، وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِيجِ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ .