فيها كان سنة خمسين ومائتين من الهجرة أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بالكوفة ، وأمه ظهور أم الحسين فاطمة بنت الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وذلك أنه أصابته فاقة شديدة فدخل سامرا ، فسأل وصيفا أن يجري عليه رزقا ، فأغلظ له القول ، فرجع إلى أرض الكوفة فاجتمع عليه خلق من الأعراب ، وخرج إليه خلق من أهل الكوفة فنزل على الفلوجة ، وقد كثر الجمع معه ، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر نائب العراق إلى عامل الكوفة وهو أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان يأمره بمقاتلته . ودخل يحيى بن عمر قبل ذلك في طائفة من أصحابه إلى الكوفة فاحتوى على بيت مالها فلم يجد فيه سوى ألفي دينار وسبعين ألف درهم ، وظهر أمره بالكوفة ، وفتح [ ص: 475 ] السجنين ، وأطلق من فيهما ، وأخرج نواب الخليفة منها ، وأخذ أموالهم واستحوذ عليها ، واستحكم أمره بها ، والتف عليه خلق من الزيدية وغيرهم ثم خرج من الكوفة إلى سوادها ، ثم كر راجعا إليها ، فتلقاه عبد الرحمن بن الخطاب الملقب وجه الفلس ، فقاتله قتالا شديدا فانهزم وجه الفلس ، ودخل يحيى بن عمر الكوفة ودعا إلى الرضا من آل محمد ، وقوي أمره جدا ، وصار إليه جماعة من الناس من أهل الكوفة وغيرها ، وتولاه أهل بغداد من العامة ، وغيرهم ممن ينسب إلى التشيع ، وأحبوه أكثر مما كانوا يحبون أحدا من الخارجين من أهل البيت ، وشرع في تحصيل السلاح ، وإعداد آلات الحرب ، وجمع الرجال ، وقد خرج نائب الكوفة منها وهو الحسين بن إسماعيل إلى ظاهرها ، واجتمع إليه أمداد كثيرة من جهة الخليفة ومحمد بن عبد الله بن طاهر واستراحوا وجمت خيولهم ، فلما كان اليوم الثالث عشر من رجب أشار من أشار على يحيى بن عمر ممن لا رأي له أن يركب فيناجز الحسين بن إسماعيل ، ويكبس جيشه ، فركب في جيش كثير فيه خلق من الفرسان والمشاة أيضا من عامة أهل الكوفة بغير أسلحة ، فساروا فلما انتهوا إليه نهضوا إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا في ظلمة آخر الليل فما طلع الفجر إلا وقد انكشف أصحاب يحيى بن عمر وداستهم الخيول ، ووجدوا يحيى بن عمر قد تقنطر به فرسه وطعن [ ص: 476 ] في ظهره فحزوا رأسه ، وحملوه إلى الأمير فبعثه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فأرسله إلى الخليفة من الغد مع رجل يقال له : عمر بن الخطاب أخو عبد الرحمن بن الخطاب فنصب بسامرا ساعة من النهار ، ثم بعثه إلى بغداد ; لينصب عند الجسر ، فلم يمكن ذلك من كثرة العامة ، فجعل في خزائن السلاح . ولما جيء برأس يحيى بن عمر إلى محمد بن عبد الله بن طاهر دخل الناس يهنونه بالفتح والظفر ، فدخل عليه أبو هاشم داود بن الهيثم الجعفري فقال له : أيها الأمير ، إنك لتهنى بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا لعزي به . فما رد عليه شيئا ، ثم خرج أبو هاشم الجعفري وهو يقول :
يا بني طاهر كلوه وبيا إن لحم النبي غير مري إن وترا يكون طالبه الله
لوتر نجاحه بالحري
ثم خرج آخر من أهل البيت أيضا
فلما كان رمضان من هذه السنة الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن [ ص: 477 ] الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بناحية طبرستان وكان سبب ذلك أنه لما قتل خرج يحيى بن عمر أقطع المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر طائفة من أرض تلك الناحية ، فبعث كاتبا له يقال له : جابر بن هارون وكان نصرانيا ; ليتسلم تلك الأراضي ، فلما انتهى إليهم كرهوا ذلك جدا ، وراسلوا الحسن بن زيد هذا ، فجاء إليهم فبايعوه ، والتف عليه جملة الديلم ، وجماعة الأمراء في تلك النواحي ، فركب فيهم ودخل آمل طبرستان وأخذها قهرا ، وجبى خراجها ، واستفحل أمره جدا ، ثم خرج منها طالبا لقتال سليمان بن عبد الله أمير تلك النواحي فالتقيا هنالك ، وكانت بينهما حروب ثم انهزم سليمان هزيمة منكرة ، وترك أهله وماله ولم يرجع دون جرجان فدخل الحسن بن زيد سارية ، فاستحوذ على ما بها من الأموال والحواصل ، وسير أهل سليمان إليه على مراكب مكرمين ، واجتمع إمرة للحسن بن زيد طبرستان بكمالها ، ثم بعث إلى الري فأخذها أيضا ، وأخرج منها الطاهرية ، وصار له إلى حد همذان ولما بلغ خبره المستعين وكان مدبر ملكه يومئذ وصيف التركي اغتم لذلك جدا ، واجتهد في بعث الجيوش والأمداد لقتال الحسن [ ص: 478 ] بن زيد هذا .
وفي يوم عرفة من هذه السنة بالري أحمد بن عيسى بن حسين الصغير بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ظهر وإدريس بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ، فصلى بالناس يوم العيد أحمد بن عيسى هذا ، ودعا إلى الرضا من آل محمد ، فحاربه محمد بن علي بن طاهر ، فهزمه أحمد بن عيسى ، واستفحل أمره .
وفيها وثب أهل حمص على عاملهم الفضل بن قارن أخي المازيار بن قارن فقتلوه في رجب ، فوجه المستعين إليهم موسى بن بغا الكبير ، فاقتتلوا بأرض الرستن فهزمهم وقتل جماعة من أهلها ، وأحرق أماكن كثيرة منها ، وأسر أشراف أهلها .
وفيها الشاكرية والجند في أرض فارس على عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم فهرب منهم فانتهبوا داره ، وقتلوا وثبت محمد بن الحسن بن قارن ، وفيها غضب الخليفة على جعفر بن عبد الواحد ، ونفاه إلى البصرة .
وفيها أسقطت مرتبة جماعة من الأمويين في دار الخلافة .
وحج بالناس فيها جعفر بن الفضل أمير مكة شرفها الله .