ذكر أبي أحمد الموفق إلى المدينة التي فيها صاحب الزنج ، وهي مسير المختارة ; ليحاصرها
لما كتب أبو أحمد إلى صاحب الزنج يدعوه إلى الحق فلم يجبه ، استهانة به ، ركب في جيوش عظيمة قريب من خمسين ألف مقاتل قاصدا إلى مدينته التي أنشأها وسماها المختارة فلما انتهى إليها وجدها في غاية الإحكام ، وقد حوط عليها من آلات الحصار شيئا كثيرا ، وقد التف على صاحب الزنج نحو من ثلاثمائة ألف مقاتل بسيف ورمح ومقلاع ، ومن يكثر سوادهم ، فقدم الموفق ولده أبا العباس بين يديه ، فتقدم حتى وقف تحت قصر الملك فحاصره محاصرة لم ير مثلها ، وتعجب الزنج من إقدامه وجرأته ، مع صغر سنه ، وحداثة عمره فتراكمت الزنوج عليه من كل مكان ، فهزمهم ، وأثبت بهبوذ أكبر أمرائه بالسهام والحجارة ، ثم خامرت جماعة من أمراء صاحب الزنج وأجناده إلى الموفق ، فأكرمهم وأعطاهم خلعا سنية ، فرغب إلى ذلك جماعة كثيرون فصاروا إليه ، ثم ركب أبو أحمد الموفق في يوم النصف من شعبان ، ونادى في الناس كلهم بالأمان إلا صاحب الزنج فتحول خلق كثير من جيشه إلى أبي أحمد ، ولله الحمد .
وابتنى الموفق تجاه مدينة صاحب الزنج مدينة سماها الموفقية ، وأمر بحمل الأمتعة والتجارات إليها ، فاجتمع بها من أنواع الأشياء وصنوفها ما لم يجتمع في [ ص: 577 ] بلد قبلها ، وعظم شأنها ، وامتلأت من المعايش والأرزاق وصنوف التجارات والسكان والدواب وغيرهم ، وإنما بناها ليستعين بها على قتال صاحب الزنج ثم جرت بينهم حروب عظيمة ، وما زالت الحرب ناشبة بينهم حتى انسلخت هذه السنة وهم محاصرون البلد الخبيث ومن فيه ، وقد تحول منهم خلق كثير فصاروا على صاحب الزنج بعد أن كانوا معه ، فبلغ عددهم قريبا من خمسين ألفا من الأمراء الخواص والأجناد ، والموفق وأصحابه - ولله الحمد - كل ما لهم في زيادة وقوة ونصر وظفر .
وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي .