[ ص: 581 ] ثم دخلت
في هذه السنة اجتهد سنة تسع وستين ومائتين الموفق - وفقه الله - في الزنج فخرب منه شيئا كثيرا ، وتمكن الجيوش من العبور إلى البلد ، ولكن جاءه في أثناء هذه الحالة سهم في صدره من يد رجل رومي يقال له : تخريب سور مدينة صاحب قرطاس . فكاد يقتله ، فاضطرب الحال لذلك وهو يتجلد ويحض على القتال مع ذلك . وأقام ببلده الموفقية أياما يتداوى ، واضطربت الأحوال ، وخاف الناس جدا من صاحب الزنج ، وأشاروا على الموفق بالمسير إلى بغداد فلم يقبل ، وقويت علته ثم من الله عليه بالعافية في شعبان ، ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ، فنهض مسرعا إلى الحصار ، فوجد الخبيث قد رمم كثيرا مما كان الموفق قد خربه وهدمه ، فأمر بتخريبه وما حوله وما قرب منه ، ثم لازم الحصار وما انفك حتى فتح المدينة الغربية ، وخرب قصور صاحب الزنج ودور أمرائه ، واستلب من أموالهم شيئا كثيرا ، وغنم ما لا يحد ولا يوصف كثرة ، وأسر خلقا من نساء الزنج ، واستنقذ من نساء المسلمين وصبيانهم خلقا كثيرا ، فأمر بردهم إلى أهليهم مكرمين ، وقد تحول صاحب الزنج إلى الجانب الشرقي وعمل الجسور والقناطر الحائلة بينه وبين وصول السميريات إليه ، فأمر الموفق بتخريبها وقطع الجسور ، واستمر الحصار في هذه السنة وما برح حتى تسلم الجانب الشرقي أيضا واستحوذ [ ص: 582 ] على حواصله وأمواله ، وفر الخبيث ذاهبا وكر هاربا وترك حلائله وأولاده وحواصله ، فأخذها الموفق ، ولله الحمد والمنة . وشرح ذلك كله يطول جدا . وقد حرره مبسوطا ابن جرير ولخصه مبسوطا ابن الأثير ، واختصره ابن كثير والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب .
ولما رأى الخليفة المعتمد أن أخاه أبا أحمد قد استحوذ على أمور الخلافة وصار هو الحاكم الآمر الناهي الذي إليه تجلب الأموال ويحمل الخراج ، وهو الذي يولي ويعزل ، كتب إلى أحمد بن طولون يشكو إليه ذلك ، فكتب إليه أن يتحول إلى عنده ببلاد ابن طولون مصر ووعده النصر والقيام معه ، فاستغنم غيبة أخيه الموفق وركب في جمادى الأولى ومعه جماعة من القواد ، وقد أرصد له أحمد بن طولون جيشا بالرقة يتلقونه ، فلما اجتاز الخليفة بإسحاق بن كنداج نائب الموصل وعامة الجزيرة اعتقله عنده عن المسير إلى وقيد أعيان الأمراء الذين معه ، وعاتب الخليفة ولامه على هذا الصنيع أشد اللوم ، ثم ألزمه العود إلى ابن طولون ، سامرا ومن معه من الأمراء ، فرجعوا إليها في غاية الذل والإهانة .
ولما بلغ الموفق ذلك شكر سعي إسحاق وولاه جميع أعمال أحمد بن طولون إلى أقصى بلاد إفريقية ، وكتب إلى أخيه أن يلعن في دار العامة ، فلم يمكن ابن طولون المعتمد إلا إجابته إلى ذلك ، وهو كاره ، وكان قد قطع ذكر ابن طولون الموفق في الخطب وأسقط اسمه عن الطرازات .
[ ص: 583 ] وفيها في ذي القعدة وقعت بمكة بين أصحاب الموفق وأصحاب ابن طولون ، فقتل من أصحاب فتنة مائتان وهرب بقيتهم ، واستلبهم أصحاب ابن طولون الموفق شيئا كثيرا .
وفيها قطعت الأعراب على الحجيج الطريق ، وأخذوا منهم خمسة آلاف بعير بأحمالها .