أحمد بن طولون .
أبو العباس أمير الديار المصرية ، وباني الجامع بها ، المنسوب إليه ، وقد ملك دمشق والعواصم والثغور مدة طويلة ، وقد كان أبوه طولون من الأتراك الذين أهداهم نوح بن أسد بن سامان الساماني ، عامل بخارى إلى المأمون في سنة مائتين ، ويقال : إلى الرشيد في سنة تسعين ومائة .
ولد أحمد هذا في سنة أربع عشرة ، وقيل : في سنة عشرين ومائتين . [ ص: 588 ] ومات أبوه طولون في سنة ثلاثين ، وقيل : في سنة أربعين ومائتين .
وحكى ابن خلكان أنه لم يكن ابنه وإنما تبناه . والله أعلم .
وحكى أنه من جارية تركية اسمها ابن عساكر هاشم .
ونشأ أحمد هذا في صيانة وعفاف ودراسة للقرآن العظيم ، مع حسن الصوت ، وكان يعيب على أولاد الترك ما يرتكبونه من المحرمات والأشياء المنكرات ، وكانت أمه جارية اسمها هاشم .
وحكى الحافظ في " تاريخه " عن بعض مشايخ ابن عساكر مصر أن طولون لم يكن أباه ، وإنما كان قد تبناه ، وأنه كان ظاهر النجابة من صغره ، وأنه اتفق أن بعثه طولون في حاجة ليأتيه بها من قصر الإمارة ، فذهب ، فإذا حظية من حظايا أبيه مع بعض الخدم في فاحشة ، فأخذ حاجته التي أمره بها ، وكر راجعا إليه سريعا ، ولم يخبره بشيء مما رأى من ذلك ، فتوهمت الحظية أن يكون أحمد قد أخبر طولون بما رأى ، فجاءت إلى طولون فقالت : إن أحمد [ ص: 589 ] جاءني الآن إلى المكان الفلاني وراودني عن نفسي ، وانصرفت إلى قصرها ، فوقع في نفسه صدقها ، فاستدعى أحمد ، وكتب معه كتابا ، وختمه إلى بعض الأمراء : أن إذا وصل إليك حامل هذا الكتاب فاضرب عنقه ، وابعث برأسه سريعا إلي . فذهب أحمد وهو لا يدري ما في الكتاب ، فاجتاز في طريقه بقصر تلك الحظية ، فاستدعته إليها ، فقال : إني مشغول بهذا الكتاب لأوصله إلى فلان . فقالت : هلم ، فلي إليك حاجة - وأرادت أن تحبسه عندها ; ليكتب لها كتابا ، لتحقق في ذهن الملك ما ذكرته من أمره ، وأرسلت بذلك الكتاب مع الخادم الذي كانت هي وإياه على الفاحشة وجلس أحمد يكتب لها الكتاب ، وذهب ذلك الخادم إلى ذلك الأمير بالكتاب ، فلما قرأه أمر بضرب عنقه ، وأرسل برأسه إلى الملك طولون ، فتعجب الملك وقال : أين أحمد ؟ فطلب له ، فقال : ويحك ، أخبرني كيف صنعت منذ خرجت من بين يدي ؟ فأخبره بما جرى من الأمر ، ولما سمعت تلك الحظية بأن رأس الخادم قد أتي به إلى الملك سقط في يديها ، وتوهمت أن الملك قد تحقق الحال ، فقامت إليه [ ص: 590 ] تعتذر وتستغفر مما وقع منها مع الخادم ، واعترفت بالحق وبرأت ساحة أحمد ، فحظي عنده ، وأوصى له بالملك من بعده .
ثم ولي نيابة الديار المصرية للمعتز ، فدخلها يوم الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ، فأحسن إلى أهلها إحسانا كثيرا ، وأنفق فيهم من بيت المال ومن صدقاته ، واستغل الديار المصرية في بعض السنين أربعة آلاف ألف دينار ، وبنى بها الجامع ، وغرم عليه مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ، وكان فراغه في سنة تسع وخمسين ، وقيل : في سنة ست وستين . وكانت له مائدة في كل يوم يحضرها الخاص والعام ، وكان يتصدق في كل شهر من خالص ماله بألف دينار . وقال له وكيله يوما : إنه تأتيني المرأة وعليها الإزار وبذلة وهيئة فتسألني أفأعطيها ؟ فقال : من مد يده إليك فأعطه .
وكان من أحفظ الناس لتلاوة القرآن ، ومن أطيبهم صوتا به .
وقد قيل - فيما حكاه ابن خلكان : إنه قتل صبرا نحوا من ثمانية عشر ألف نفس . والله أعلم . وبنى البيمارستان ، فغرم عليه ستين ألف دينار ، وعلى الميدان مائة وخمسين ألفا ، وكان له صدقات كثيرة جدا ، وإحسان زائد ، ثم ملك دمشق بعد أميرها أماجور في سنة أربع وستين ومائتين ، فأحسن إليهم أيضا .
[ ص: 591 ] واتفق أنه وقع بها حريق عند كنيسة مريم ، فنهض بنفسه إليه ومعه وكاتبه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الحافظ الدمشقي ، أبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي ، ثم أمر كاتبه أن يخرج من مال الأمير سبعين ألف دينار تصرف إلى أهل الدور والأموال التي أحرقت ، فصرف إليهم جميع قيمة ما ذكروه ، وبقي أربعة عشر ألف دينار ، فأمر بها أن توزع عليهم على قدر حصصهم ، ثم أمر بمال عظيم يفرق على فقراء دمشق وغوطتها ، فأقل ما حصل للفقير دينار ، رحمه الله .
ثم خرج إلى أنطاكية فحاصر بها صاحبها سيما حتى قتله ، وتسلم البلد - كما ذكرنا ذلك فيما تقدم - ثم كانت وفاته بمصر في أوائل ذي القعدة من هذه السنة من علة أصابته من أكل لبن الجواميس ، فأصابه ذرب ، فداواه الأطباء ، فلم يقبل منهم ، فكان يأكل منه في الخفية ، فمات . رحمه الله .
وقد ترك من الأموال والأثاث والدواب شيئا كثيرا جدا ; من ذلك عشرة آلاف ألف دينار ، وكان له ثلاثة وثلاثون ولدا ; منهم سبعة عشر ذكرا ، فقام [ ص: 592 ] بالأمر من بعده ولده خمارويه ، وسيأتي ما كان من أمره .
وكان له من الغلمان أربعة وعشرون ألف غلام ، ومن الموالى سبعة آلاف مولى ، ومن البغال والخيل والجمال شيء كثير جدا .
قال ابن خلكان : وإنما تغلب على البلاد لاشتغال عنه بحرب صاحب الموفق طلحة ابن المتوكل الزنج وقد كان الموفق نائب أخيه المعتمد على الله - وهو والد المعتضد - رحمهم الله .
وأحمد بن محمد بن عبد الكريم بن سهل الكاتب .
صاحب كتاب " الخراج " ، قاله ابن خلكان .
وأحمد بن عبد الله بن البرقي .
وأسيد بن عاصم الجمال .
. وبكار بن قتيبة المصري
في ذي الحجة من هذه السنة .
[ ص: 593 ] والحسن بن زيد العلوي .
صاحب طبرستان في رجب من هذه السنة ، وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وستة أيام ، وقام بالأمر من بعده أخوه محمد بن زيد ، وكان الحسن بن زيد كريما جوادا ممدحا يعرف الفقه والعربية ، قال له شاعر في جملة قصيدة مدحه بها :
الله فرد وابن زيد فرد
فقال : ويلك ، لا تقل ، هلا قلت :الله فرد وابن زيد عبد
ثم نزل عن سريره ، وخر ساجدا لله - عز وجل - وألصق خده بالتراب ، ولم يعط ذلك الشاعر شيئا .وامتدحه بعضهم فقال في أول قصيدته :
لا تقل بشرى ولكن بشريان عزة الداعي ويوم المهرجان
[ ص: 594 ] . والحسن بن علي بن عفان العامري
. وداود بن علي
الأصبهاني ثم البغدادي الفقيه الظاهري ، إمام أهل الظاهر ، روى عن أبي ثور ، وإبراهيم بن خالد ، وإسحاق بن راهويه ، وسليمان بن حرب ، وعبد الله بن سلمة القعنبي ، وغير واحد ، وروى عنه ابنه الفقيه ومسدد بن مسرهد ، أبو بكر بن داود ،
قال وزكريا بن يحيى الساجي . الخطيب : كان فقيها زاهدا وفي كتبه حديث كثير ، والرواية عنه عزيزة جدا ، وكانت وفاته ببغداد في هذه السنة ، وكان مولده في سنة مائتين ، وقيل : في سنة ثنتين ومائتين . وذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في " طبقاته " أن أصله من أصبهان وولد بالكوفة ، ونشأ ببغداد وأنه انتهت إليه رياسة العلم بها ، وكان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب [ ص: 595 ] طيلسان أخضر ، وكان من المتعصبين وصنف مناقبه . للشافعي ،
وقال غيره : كان حسن الصلاة والتواضع .
وقد قال الأزدي : ترك حديثه . ولم يتابع الأزدي على ذلك .
لكن روي عن أنه تكلم فيه بسبب كلامه في القرآن ، وأن لفظه به مخلوق ، كما نسب إلى الإمام الإمام أحمد رحمه الله . قلت : وقد كان من الفقهاء المشهورين ، ولكن حصر نفسه بنفيه القياس الصحيح ، فضاق بذلك ذرعه في أماكن كثيرة من الفقه ، فلزمه القول بأشياء قطعية صار إليها بسبب اتباعه الظاهر المجرد من غير تفهم لمعنى النص . البخاري ،
وقد اختلف الفقهاء القياسيون بعده في الاعتداد بخلافه ، وأنه هل ينعقد الإجماع بدونه مع خلافه أم لا ؟ على أقوال ليس هذا موضع بسطها .
وممن توفي فيها :
الربيع بن سليمان المرادي .
صاحب وقد ترجمناه في " طبقات الشافعية " الشافعي
والقاضي بكار بن قتيبة .
الحاكم بالديار المصرية من سنة ست [ ص: 596 ] وأربعين ومائتين إلى أن توفي مسجونا في حبس أحمد بن طولون ; لكونه لم يخلع الموفق في سنة سبعين ، وكان عالما عابدا زاهدا كثير التلاوة والمحاسبة لنفسه ، وقد شغر منصب القضاء بعده بمصر ثلاث سنين وقد بسط ابن خلكان ترجمته في الوفيات .
. ابن قتيبة الدينوري
عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري قاضيها ، النحوي اللغوي صاحب المصنفات البديعة المفيدة المحتوية على علوم جمة نافعة ، اشتغل ببغداد ، وسمع بها الحديث على إسحاق بن راهويه وطبقته ، وأخذ اللغة عن وذويه ، وصنف وجمع وألف الكتب الكثيرة ; فمن ذلك كتاب " المعارف " " وأدب الكاتب " الذي شرحه أبي حاتم السجستاني أبو محمد بن السيد البطليوسي ، وكتاب " مشكل القرآن والحديث " ، " وغريب القرآن والحديث " ، " وعيون الأخبار " ، " وإصلاح الغلط " ، وكتاب " الخيل " ، وكتاب " الأنواء " ، وكتاب " المسائل والجوابات " ، وكتاب " الميسر والقداح " ، وغير ذلك . وكانت وفاته في هذه السنة ، وقيل : في التي بعدها . ومولده في سنة ثلاث عشرة ومائتين ، ولم يجاوز الستين ، وروى عنه ولده أحمد جميع [ ص: 597 ] مصنفاته . وقد ولي ولده أحمد قضاء مصر سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة . وتوفي بها بعد سنة ، رحمه الله .
ومحمد بن إسحاق بن جعفر الصاغاني .
. ومحمد بن مسلم بن وارة
ومصعب بن أحمد أبو أحمد الصوفي .
وكان من أقران الجنيد .
وفيها توفي ملك الروم ابن الصقلبية ، لعنه الله .
وفيها ابتدأ إسماعيل بن موسى ببناء مدينة لاردة من بلاد الأندلس .