الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي ، الخطيب البغدادي أحد مشاهير الحفاظ وصاحب " تاريخ بغداد " وغيره من المصنفات [ ص: 28 ] العديدة المفيدة نحو من ستين مصنفا ويقال بل مائة مصنف فالله أعلم .
ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، وقيل سنة ثنتين وتسعين ، وأول سماعه سنة ثلاث وأربعمائة ، ونشأ ببغداد وتفقه على القاضي وغيره من أصحاب الشيخ أبي الطيب الطبري أبي حامد ، وسمع الحديث الكثير ورحل إلى البصرة ونيسابور وأصبهان وهمذان والشام والحجاز ، وسمي الخطيب لأنه كان يخطب بدرزيجان وسمع بمكة على القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ، وقرأ " صحيح البخاري " على كريمة بنت أحمد في خمسة أيام .
ورجع إلى بغداد فحظي عند الوزير أبي القاسم بن المسلمة . ولما ادعى اليهود الخيابرة أن معهم كتابا نبويا فيه إسقاط الجزية عنهم أوقف ابن المسلمة الخطيب على هذا الكتاب فقال : هذا كذب . فقيل له : وما الدليل على ذلك؟ فقال : لأن فيه شهادة ولم يكن أسلم يوم معاوية بن أبي سفيان خيبر وقد كانت خيبر في سنة سبع من الهجرة ، وإنما أسلم معاوية يوم الفتح وفيه شهادة وقد كان توفي عام الخندق سنة خمس . فأعجب الناس ذلك . وقد سبق سعد بن معاذ الخطيب إلى هذا النقد كما ذكرت ذلك في مصنف مفرد .
ولما وقعت فتنة البساسيري ببغداد سنة خمسين ، خرج منها إلى الشام فأقام [ ص: 29 ] بدمشق بالمئذنة الشرقية من جامعها وكان يقرأ على الناس الحديث النبوي ، وكان جهوري الصوت ، يسمع صوته من أرجاء الجامع كلها ، فاتفق أنه قرأ يوما على الناس فضائل العباس ، فثار عليه الروافض وأتباع الفاطميين ، وأرادوا قتله فتشفع بالشريف الزينبي ، فأجاره ، وكان مسكنه بدار العقيقي ، ثم خرج من دمشق فأقام بمدينة صور ، فكتب شيئا كثيرا من مصنفات أبي عبد الله الصوري بخطه ، كان يستعيرها من زوجته ، فلم يزل مقيما بالشام إلى سنة ثنتين وستين ، ثم عاد إلى بغداد فحدث بأشياء من مسموعاته وقد كان سأل الله بمكة ، أن يملك ألف دينار وأن يحدث ب " التاريخ " بجامع المنصور ، وأن يموت ببغداد فيدفن إلى جانب بشر الحافي ، فيقال إنه حدث ب " التاريخ " بجامع المنصور ، وإنه ملك ذهبا يقارب ألف دينار . وحين احتضر كان عنده قريب من مائتي دينار ، فأوصى بها لأهل الحديث ، وسأل السلطان أن يمضي له ذلك ، فإنه لم يترك وارثا ، فأجيب إلى ذلك .
وله مصنفات كثيرة مفيدة ، منها كتاب " التاريخ " ، وكتاب " الكفاية " و " الجامع " ، و " شرف أصحاب الحديث " ، و " المتفق والمفترق " ، و " السابق واللاحق " ، و " تلخيص المتشابه في الرسم " ، " و " فضل الوصل " ، و " رواية الآباء عن الأبناء " ، " و " رواية الصحابة عن التابعين " ، و " اقتضاء العلم العمل " وغير ذلك . وقد سردها الشيخ في " المنتظم " قال : ويقال إن هذه المصنفات أكثرها ابتدأها أبو الفرج بن الجوزي أبو عبد الله الصوري فتممها الخطيب .
[ ص: 30 ] وقد كان حسن القراءة فصيح اللفظ ، عارفا بالأدب يقول الشعر ، وكان أولا على مذهب فانتقل إلى مذهب الإمام أحمد ، ثم صار يتكلم في أصحاب الشافعي ، أحمد ويقدح فيهم ما أمكنه ، وله دسائس عجيبة في ذمهم ، ثم شرع ينتصر لأصحابه بما يطول ذكره . وقد أورد ابن الجوزي من شعر ابن الجوزي الخطيب قصيدة - من خطه - جيدة المطلع حسنة المنزع أولها :
لعمرك ما شجاني رسم دار وقفت به ولا ذكر المغاني ولا أثر الخيام أراق دمعي
لأجل تذكري عهد الغواني ولا ملك الهوى يوما قيادي
ولا عاصيته فثنى عناني عرفت فعاله بذوي التصابي
وما يلقون من ذل الهوان فلم أطمعه في وكم قتيل
له في الناس ما يحصى وعان طلبت أخا صحيح الود محضا
سليم الغيب محفوظ اللسان فلم أعرف من الإخوان إلا
نفاقا في التباعد والتداني وعالم دهرنا لا خير فيهم
ترى صورا تروق بلا معاني ووصف جميعهم هذا فما أن
أقول سوى فلان أو فلان ولما لم أجد حرا يواتي
على ما ناب من صرف الزمان صبرت تكرما لقراع دهري
ولم أجزع لما منه دهاني ولم أك في الشدائد مستكينا
أقول لها ألا كفي كفاني ولكني صليب العود عود
ربيط الجأش مجتمع الجنان [ ص: 31 ] أبي النفس لا أختار رزقا
يجيء بغير سيفي أو سناني فعز في لظى باغيه يشوى
ألذ من المذلة في الجنان
لا تغبطن أخا الدنيا لزخرفها ولا للذة وقت عجلت فرحا
فالدهر أسرع شيء في تقلبه وفعله بين للخلق قد وضحا
كم شارب عسلا فيه منيته وكم تقلد سيفا من به ذبحا
ما زلت تدأب في التاريخ مجتهدا حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا
حسان بن سعيد بن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي المنيعي ، كان في شبابه يجمع بين الزهد والتجارة حتى ساد أهل زمانه ثم ترك ذلك وأقبل على العبادة والزهد والبر والصلة والصدقة والإحسان إلى الخلق ، وبناء المساجد والرباطات وكان السلطان يأتي إليه ويتبرك به ولما وقع الغلاء كان يعمل في كل يوم شيئا كثيرا من الخبز والطعام فيتصدق به ، ويكسو في كل سنة قريبا من ألف نفس ثيابا وجبابا وافرة ، وكذلك النساء ، ويجهز بنات الفقراء الأيتام وأسقط شيئا كثيرا من المكوس والوظائف السلطانية عن بلاد نيسابور وقراها ، وهو في غاية التبذل والثياب الأطمار وترك الشهوات ، ولم يزل كذلك حتى كانت وفاته ببلده مروالروذ في هذه السنة تغمده الله برحمته . آمين .
محمد بن الحسين بن حمزة أبو يعلى الجعفري فقيه الشيعة في زمانه .
، أبو علي مولى أبي تمام محمد بن علي بن الحسن الزينبي ، محمد بن وشاح بن عبد الله سمع الحديث وكان أديبا شاعرا وكتب لنقيب النقباء [ ص: 33 ] الكامل ، وكان ينسب إلى الاعتزال والرفض . ومن شعره قوله :
حملت العصا لا الضعف أوجب حملها علي ولا أني تحنيت من كبر
ولكنني ألزمت نفسي بحملها لأعلمها أن المقيم على سفر
ابن زيدون الشاعر ، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون أبو الوليد الشاعر الماهر الأندلسي القرطبي اتصل بالأمير المعتضد عباد صاحب إشبيلية ، فحظي عنده وصار عنده مشاورا في منزلة الوزير ، ووزر له ولده أبو بكر بن أبي الوليد وهو صاحب القصيدة الفراقية المشهورة التي يقول فيها :
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقا إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
حالت لبعدكم أيامنا فغدت سودا وكانت بكم بيضا ليالينا
[ ص: 34 ] بالأمس كنا ولا يخشى تفرقنا واليوم نحن ولا يرجى تلاقينا
بيني وبينك ما لو شئت لم يضع سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع
يا بائعا حظه مني ولو بذلت لي الحياة بحظي منه لم أبع
يكفيك أنك إن حملت قلبي ما لا تستطيع قلوب الناس يستطع
ته أحتمل واستطل أصبر وعز أهن وول أقبل وقل أسمع ومر أطع
كانت عالمة صالحة سمعت " صحيح كريمة بنت أحمد بن محمد بن أبي حاتم المروزية " على البخاري الكشميهني وقرأ عليها الأئمة كالخطيب وغيرهما . وأبي المظفر السمعاني