وقعة السودان
وذلك أنه لما قتل الطواشي مؤتمن الخلافة الخادم الحبشي وعزل بقية الخدام ، غضبوا لذلك واجتمعوا قريبا من خمسين ألفا فاقتتلوا هم وجيش صلاح الدين بين القصرين ، فقتل خلق كثير من الفريقين ، وكان العاضد ينظر من القصر إلى المعركة وقد قذف الجيش الشامي من القصر بحجارة وجاءهم منه سهام ، فقيل : كان ذلك بأمره ، وقيل : لم يكن بأمره ، ثم إن أخا الناصر شمس الدولة تورانشاه - وكان حاضرا للحرب قد بعثه نور الدين لأخيه ليشد أزره - أمر بإحراق منظرة العاضد ففتح الباب ونودي : إن أمير المؤمنين يأمركم أن تخرجوا هؤلاء السودان من بين أظهركم ومن بلادكم ، فقوي الشاميون وضعف جأش السودان جدا ، وأرسل الملك الناصر إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة التي فيها دورهم وأهلوهم بباب زويلة ، فأحرقها ، فولوا عند ذلك مدبرين ، وركبهم السيف فقتل منهم خلقا كثيرا ، ثم طلبوا الأمان من الملك صلاح الدين فأجابهم إلى ذلك وأخرجهم إلى الجيزة ، ثم خرج إليهم شمس الدولة تورانشاه أخو الملك صلاح الدين فقتل أكثرهم أيضا [ ص: 435 ] ولم يبق منهم إلا القليل فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا [ النمل : 52 ] وفيها افتتح الملك قلعة نور الدين بن محمود بن زنكي جعبر وانتزعها من يد صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك العقيلي ، وكانت في أيديهم من أيام السلطان ملكشاه وفيها احترق جامع حلب فجدده نور الدين وفيها مات ياروق الذي تنسب إليه المحلة بظاهر حلب