فصل
ثم حلب في أواخر ربيع الآخر بجيوشه وعساكره وقد جعل فيها ولده رحل السلطان من الظاهر غازيا ، وولى قضاءها لمحيي الدين بن الزكي ، فاستناب له فيها نائبا ، ورجع هو مع السلطان في خدمته ، فاجتاز بحماة ثم بحمص ثم على بعلبك ثم دخل دمشق في ثالث جمادى الأولى مؤيدا منصورا في أبهة عظيمة ونعمة جسيمة ، وكان ذلك يوما مشهودا ، ومن نيته الخروج سريعا إلى قتال الفرنج ، فبرز منها في أول جمادى الآخرة في جحافله قاصدا نحو القدس الشريف ، فانتهى إلى بيسان فنهبها ، ونزل على عين جالوت وأرسل بين يديه سرية هائلة فيها جرديك وطائفة من النورية ، وجاولي مملوك عمه أسد الدين ، فوجدوا جيش الكرك من الفرنج قاصدين إلى أصحابهم ; نجدة لهم ، فالتقوا معهم فقتلوا من الفرنج خلقا كثيرا وأسروا مائة أسير ، ولم يفقد من المسلمين سوى شخص واحد ، ثم عاد في آخر ذلك اليوم ، وبلغ السلطان أن الفرنج قد اجتمعوا لقتاله ، فقصدهم وتصدى لهم لعلهم يصافونه ، فنكلوا عنه فقتل منهم خلقا كثيرا من أطرافهم وجرح مثلهم ، فرجعوا ناكصين على أعقابهم خائفين منه غاية المخافة ; لكثرة جيشه ، وهو خلفهم يقتل ويأسر حتى غوروا في بلادهم ، فرجع عنهم مؤيدا منصورا ، وكتب القاضي الفاضل إلى الخليفة يعلمه بما من الله به على المسلمين من نصرهم على الفرنج ، وكان لا يفعل شيئا ولا يريد أن يفعله إلا طالع [ ص: 566 ] بذلك الخليفة ; أدبا واحتراما وطاعة واحتشاما .