ابن معطي النحوي ، يحيى بن معطي بن عبد النور النحوي ، صاحب [ ص: 187 ] الألفية ، وغيرها من المصنفات النحوية المفيدة ، ويلقب بزين الدين ، أخذ عن الكندي وغيره ، ثم سافر إلى مصر ، فكانت وفاته بالقاهرة في مستهل ذي الحجة من هذه السنة ، وشهد جنازته الشيخ شهاب الدين أبو شامة ، وكان قد رحل إلى مصر في هذه السنة ، وحكي أن الملك الكامل شهد جنازته أيضا ، وأنه دفن قريبا من قبر المزني بالقرافة ، في طريق عن يسرة المار - رحمه الله - . الشافعي
الدخوار الطبيب
واقف الدخوارية شيخ الأطباء مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بن حامد ، المعروف بالدخوار ، بدمشق ، وقد وقف داره بدرب العميد - بالقرب من الصاغة العتيقة - على الأطباء بدمشق مدرسة لهم ، وكانت وفاته في صفر من هذه السنة ، ودفن بسفح قاسيون ، وعلى قبره قبة على أعمدة في أصل الجبل شرقي الركنية ، وقد ابتلي بستة أمراض متعاكسة ، منها [ ص: 188 ] ريح اللقوة . وكان مولده سنة خمس وستين وخمسمائة ، وكان عمره ثلاثا وستين سنة .
قال ابن الأثير : وفيها توفي :
الشيخ الصالح ، القاضي أبو غانم بن العديم ، وكان من المجتهدين في العبادة والرياضة ، والعاملين بعلمهم ، ولو قال قائل : إنه لم يكن في زمانه أعبد منه لكان صادقا ، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه ، فإنه من جماعة شيوخنا ، سمعنا عليه الحديث ، وانتفعنا برؤيته وكلامه .
قال : وفيها أيضا في الثاني عشر من ربيع الأول توفي صديقنا :
أبو القاسم عبد المجيد بن العجمي الحلبي
وهو وأهل بيته مقدمو السنة بحلب ، وكان رجلا ذا مروءة غزيرة ، وخلق حسن ، وحلم وافر ورياسة كثيرة ، يحب إطعام الطعام ، وأحب الناس إليه من أكل طعامه ، ويقبل يده ، وكان يلقى أضيافه بوجه منبسط ، ولا يقعد عن إيصال راحة وقضاء حاجة ، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة .
قلت : وهذا آخر ما وجد من " الكامل في التاريخ " للحافظ عز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن الأثير - رحمه الله تعالى - . أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الكريم ، بن أبي السعادات بن كرم الموصلي ، [ ص: 189 ] أحد الفقهاء الحنفيين ، شرح قطعة كبيرة من القدوري ، وكتب الإنشاء لصاحبها ثم استقال من ذلك ، وكان فاضلا شاعرا ، ومن شعره : بدر الدين لؤلؤ ،
دعوه كما شاء الغرام يكون فلست وإن خان العهود أخون ولينوا له في قولكم ما استطعتم
عسى قلبه القاسي علي يلين وبثوا صباباتي إليه وكرروا
حديثي عليه فالحديث شجون بنفسي الألى بانوا عن العين خفية
وحبهم في القلب ليس يبين وسلوا على العشاق يوم تحملوا
سيوفا لها وطف الجفون جفون
وزير الملك الأشرف ، ثم عزله وصادره ، ولما توفي دفن بتربته التي أنشأها بسفح قاسيون ، وجعل كتبه بها وقفا ، وأجرى عليها أوقافا جيدة دارة .
جمال الدولة ، خليل بن زويزان ، رئيس قصر حجاج ، كان كيسا ذا مروءة ، له صدقات كثيرة ، وله زيارة في مقابر الصوفية من ناحية القبلة ، ودفن [ ص: 190 ] بتربته عند مسجد فلوس - رحمه الله تعالى - .
الملك الأمجد
واقف المدرسة الأمجدية بالشرف .
وفيها كانت الأمجد بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب ، صاحب بعلبك بعده لم يزل حتى قدم وفاة الأشرف موسى بن العادل إلى دمشق ، فملكها في سنة ست وعشرين ، فانتزع من يده بعلبك في سنة سبع وعشرين ، وأسكنه عنده بدمشق في دار أبيه ، فلما كان في شهر شوال من هذه السنة عدا عليه مملوك من مماليكه تركي ، فقتله ليلا ، وكان قد اتهمه بحياصة له وحبسه ، فتغلب عليه في بعض الليالي فقتله ، وقتل المملوك بعده . ودفن الأمجد في تربته التي إلى جانب تربة أبيه في الشرف الشمالي - رحمه الله تعالى - ، وقد كان شاعرا فاضلا ، له ديوان شعر ، وقد أورد له ابن الساعي قطعة جيدة من شعره الرائق الفائق . وترجمته في " طبقات الشافعية " ، ولم يذكره أبو شامة في " الذيل " ، وهذا عجيب منه . ومما أورد له ابن الساعي في شاب رآه يقطع قضبان بان ، فأنشأ على البديهة يقول :
من لي بأهيف قال حين عتبته في قطع كل قضيب بان رائق
[ ص: 191 ] تحكي شمائله الرشاء إذا انثنى ريان بين جداول وحدائق
سرقت غصون البان لين شمائلي فقطعتها والقطع حد السارق
يؤرقني حنين وادكار وقد خلت المرابع والديار
تناءى الظاعنون ولي فؤاد يسير مع الهوادج حيث ساروا
حنين مثلما شاء التنائي وشوق كلما بعد المزار
وليلي بعد بينهم طويل فأين مضت ليالي القصار
وقد حكم السهاد على جفوني تساوى الليل عندي والنهار
سهادي بعد نأيهم كثير ونومي بعد ما رحلوا غرار
فمن ذا يستعير لنا عيونا تنام وهل ترى عينا تعار
فلا ليلي له صبح منير ولا وجدي يقال له عثار
وكم من قائل والحي غاد يحجب ظعنه النقع المثار
وقوفك في الديار وأنت حي وقد رحل الخليط عليك عار
كم يذهب هذا العمر في الخسران ما أغفلني فيه وما أنساني
[ ص: 192 ] ضيعت زماني كله في لعب يا عمر هل بعدك عمر ثاني
كنت من ذنبي على وجل زال عني ذلك الوجل
أمنت نفسي بوائقها عشت لما مت يا رجل
جلال الدين تكش
وقيل : محمود بن علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش الخوارزمي ، وهم من سلالة طاهر بن الحسين ، وتكش جدهم هو الذي أزال دولة السلجوقية . كانت التتار قهروا أباه حتى شردوه في البلاد ، فمات ببعض جزائر البحر ، ثم ساقوا وراء جلال الدين هذا حتى مزقوا عساكره شذر مذر ، وتفرقوا عنه أيدي سبا ، وانفرد هو وحده ، فلقيه فلاح من قرية بأرض ميافارقين ، فأنكره لما عليه من الجواهر والذهب ، وعلى فرسه ، فقال له : من أنت؟ فقال : أنا ملك الخوارزمية . وكانوا قد قتلوا للفلاح أخا ، فأنزله وأظهر إكرامه ، فلما نام قتله بفأس كانت عنده ، وأخذ ما عليه ، فبلغ الخبر إلى شهاب الدين غازي بن العادل ، صاحب ميافارقين فاستدعى بالفلاح ، فأخذ ما كان عليه من الجواهر والحلي ، وأخذ الفرس أيضا ، وكان الملك الأشرف يقول : هو سد بيننا وبين التتار ، كما أن السد بيننا وبين يأجوج ومأجوج .